يتصور التقدير في حق الباري والتقدير ترديد الفكر وتصريف الخواطر وذلك من عمل الخيال والوهم أم يتعلق بالوجود حقيقة والوجود محصور متناه ونحن نعتقد أن معلوماته ومقدوراته لا تتناهى وإنما يتصور ذلك فيما لم يوجد ويمكن أن يوجد أم تقرر أن العلم صفة صالحة لدرك كل ما يعرض عليه من غير قصور والقدرة صالحة لإيجاد كل ما يصح وجوده من غير تقاصر ثم ما يصح أن يعلم ويجوز أن يوجد لا يتناهى فعلى هذا المعنى نقول المعلومات والمقدورات لا تتناهى والمتعلق من حيث المتعلق راجع إلى صلاحية الصفة للكل ومن حيث المتعلق راجع إلى صحة المعلوم والمقدور وكذلك قولنا في السمع والبصر وكونه سميعا بصيرا بل الجمع بين المسألتين هاهنا أظهر فإن السمع لا يتعلق بالمعدوم وكذلك البصر فلا يكون المعدوم مسموعا ومبصرا بل إنما يصير مدركا بهما حيث يصح الإدراك وهو حال الوجود فقط لا قبله تحقيقا كان أو تقديرا كذلك الأمر الأزلي يتعلق بالمأمور به حتى يصح التعلق وهو حال الوجود المتهيأ لقبوله من كونه حيا عاقلا بالغا متمكنا من الفعل كسائر الصفات على السواء فليس يختص السؤال بمسألة الكلام ووجه الحال ما قد سبق التقرير به.
وقولهم : إن كلاما لا تحقق له أقسام الكلام غير معقول.
قلنا : وما أقسام الكلام فإن المتكلمين حصروها في ستة وسائر الناس زادوا أقساما : مثل النداء والدعاء ، وزادوا في كل قسم من الأمر والنهي أقساما مثل أمر الندب وأمر الإيجاب ونهي التنزيه ونهي التحريم ، وفي كل قسم من الخبر والاستخبار أقساما مثل الخبر عن الماضي والمستقبل والمواجهة والمغايبة وغير ذلك ، ومن تصدى ليردها إلى ستة فقد قضى بتداخل أقسام منها في أقسام ولغيره أن يتصدى لردها إلى قسمين الخبر والأمر أما الاستخبار فلا يتصور في حقه تعالى على موجب حقيقة الاستفهام بل حيث ورد فمعناه التقرير والإخبار كقوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ، (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ) [القصص : ٧١](أَإِلهٌ مَعَ اللهِ) [النمل : ٦٠] ، ومعنى الكل راجع إلى تقرير الخطاب للمخاطب أن الأمر لا يتصور إلا كذلك ، وأما الوعد والوعيد فظاهر أنهما خبران يتعلق أحدهما بثواب فسمي وعدا ، وتعلق الثاني بعقاب فسمي وعيدا كما أمكن أن يرد النداء إلى الخبر يا زيد يا عمرو أي أدعو زيدا.
وأما القسم الثاني : وهو الأمر فهو والنهي لا يجتمعان لكن كلام الله تعالى إذا تعلق بمتعلق خاص على صيغة الأمر ، ولم يتصل بتركه زجرا كان ندبا ، وإن اتصل به زجرا سمي ذلك إيجابا وكذلك النهي إذا لم يرد على فعله وعيد سمي تكريها وإن ورد سمي تحريما ثم هما يشتركان في كونهما أمرا ونهيا وإن رد الأمر والنهي إلى معنى واحد