والعرض قلنا : الإنسان يدرك من نفسه إدراك الحجمية الجوهر وتحيزه وشكله من تدوير وتثليث وتربيع وتخميس إلى غير ذلك من الأشكال ، ولهذا يبصر شخصا من بعد فيدري شخصيته ويشك في لونه وصغره وكبره ، كما ذكرنا أسباب ذلك ثم يدرك بعد شكله ولونه ، فعرف أن الأشكال والألوان غير ، والجسم من حيث هو جسم غير في البصر ، وقد أدركهما البصر جميعا فلا بد من مصحح جامع بينهما وذلك ما عيناه ولذلك قلنا إن اللون والمتلون لن يصلح أن يكون علة لأنه تركيب في العلة ومع كونه تركيبا هو تشكيل فإنهم يقولون المصحح هو اللون أو المتلون فلا العلة المركبة صالحة ولا التشكيل في العلة مستعمل فبطل ما نصبوه علة وصح ما نصبناه.
وقولهم : لم تتعلق الرؤية بجميع الأعراض؟
قلنا : ولو تعلقت حسا بجميع الأعراض ما كنا نحتاج إلى طلب العلة كما لم نحتج إلى طلب العلة لتعلق العلم بالمعلوم إذ تعلق بكل ما يصح أن يعلم معدوما أو موجودا محالا أو ممكنا لكنا نطلب العلة لأنها تعلقت بالبعض وكما تعلقت ببعض الأعراض تعلقت بجميع الأجرام فطلبنا جامعا ولم نظفر بجامع بين الجواهر وبعض الأعراض كما صاروا إليه من اللون والمتلون ، فإن الرؤية تعلقت باللون كما تعلقت بالاجتماع والافتراق والمماسة والمحاذاة وهي أعراض وراء اللون فلم يكن بد من تعميم الحكم في كل عرض لعموم الجامع بين الجنسين ولا إشكال في هذه المسألة سوى هذه المنزلة وهي ورطة العقول فليتحرز فيها تحرز الماشي في الوحول.
وأما الجواب عن الاعتراض الرابع نقول : الحدوث ليس يصلح أن يكون مصححا على المذهبين ، أما على مذهبكم فلأن بعض الأعراض يستحيل رؤيته ، فلو كان الحدوث مصححا لصح تعلق الرؤية بكل محدث وأما على مذهب أبي الحسن ، فلأن الحدوث وجود مسبوق بعدم والعدم لا تأثير له فبقي الوجود مصححا.
وقولهم : معنى قولنا مسبوق بعدم أنه وجود مخصوص لا وجود عام مطلق والوجود المخصوص باعتبار الحدوث علة مصححة.
قيل الخصوص في الوجود يجب أن يكون بصفة وجودية راجعة إلى الوجود حتى يصح مؤثرا في إثبات الحكم وسبق العدم لا يصلح أن يكون مؤثرا في إثبات الصلاحية والصحة للرؤية فبقي الوجود المطلق ونعني بالصفة الوجودية أن يخصص الوجود مثلا بأنه جوهر أو عرض والعرض بأنه كون أو لون فهذه الاعتبارات مما تؤثر فأما العدم السابق ، فلا تأثير له والوجود باعتبار عدم سابق لا يكتسب اعتبارا ووجها إلا احتياجا إلى موجد ، وهو باعتبار هذا لا يصلح أن يكون مصححا للرؤية والإدراك.