جوهر في حيز كذا أو عدم كل عرض في محل كذا إلى ما لا يتناهى أشياء ثابتة في العدم فإن ذلك خروج عن قضايا العقل وتيه في مفازة الجهل وأما إلزام الوجود من حيث هو وجود والتحيز وقبول العرض وجميع الصفات التابعة للحدوث فمتوجه ، والاعتذار بأنه منفي وليس بثابت ولا شيء نقض صريح لمذهبهم فإن كل معلوم أمكن الإخبار عنه وتعلق العلم به فهو شيء ثابت عندهم ويا ليت شعري إذا لم يمكن الإخبار عن الوجود ولم يمكن تعلق العلم به فمن أي شيء يخبر وعن أي شيء يعلم وليس ذلك كالمحال الذي تمثلوا به على أن المحالات مما يعلم ويخبر عنها فهلا كانت أشياء حتى يلزم أن يكون عدم الإلهية أشياء ما والعالم بما فيه من الجواهر والأعراض أشياء ثابتة في الأزل وكما لا تتناهى المعلومات لا تتناهى الأشياء بأجناسها وأنواعها وأصنافها والعياذ بالله من مذهب هذا مآله ، وأما كلامكم في الصفات الذاتية أنها لا تحصل بفعل الفاعل ، وإنما الوجود من حيث هو وجود متعلق بالقدرة فشيء ما سمعوه ولم يفهموه وما أحسنوا إيراده لأنهم لم يتحققوا إصداره.
وأجابت النفاة بأن قالوا : وجود الشيء وعينه وذاته وجوهريته وعرضيته عندنا عبارات عن معبر واحد وما أوجده الموجد فهو ذات الشيء والقدرة تعلقت بذاته كما تعلقت بوجوده وأثرت في جوهريته كما أثرت في حصوله وحدوثه والتميز بين الوجود وبين الشيئية مما لا يئول إلى معنى ومعنى بل إلى لفظ ولفظ وهم على اعتقاد أن الأجناس والأنواع والعموم والخصوص فيها راجع إلى الألفاظ المجردة أو الوجوه العقلية والتقديرات الوهمية وألزموا عليهم الصفات التابعة للحدوث كالتحيز وقبول العرض وقيام العرض بالمحل فإنها ليست من آثار القدرة ، ثم لم يثبتوها قبل الحدوث فهلا قالوا الصفات الذاتية كلها تتبع الحدوث أيضا وربما عكسوا عليهم الأمر في التابع والمتبوع وألزموهم القول بأن التحيز يقع بالقدرة والوجود يتبعه.
وأجابوا عن سؤال التخصيص والتمييز بالمعارضة وهو أن الجواهر والأعراض لو ثبتت في العدم بغير نهاية لم تحقق القصد إلى بعضها بالتخصيص وليس يندفع الإشكال بهذا الجواب بل يزيده قوة ولزوما.
والحق أن هذه المسألة مبنية على مسألة الحال ، وقد دارت رءوس المعتزلة في هاتين المسألتين على طرفي نقيض فتارة يعبرون عن الحقائق الذاتية في الأجناس والأنواع بالأحوال وهي صفات وأسماء ثابتة للموجودات لا توصف بالوجود ولا بالعدم وتارة يعبرون عنها بالأشياء ، وهي أسماء وأحوال ثابتة للمعدومات لا تخص بالأخص ولا تعم بالأعم وذلك أنهم سمعوا كلاما من الفلاسفة وقرءوا شيئا من كتبهم