وقبل الوصول إلى كنه حقيقته مزجوه بعلم الكلام غير نضيج وذلك أنهم أخذوا من أصحاب الهيولى مذهبهم فيها فكسوه مسألة المعدوم وأصحاب الهيولى هم على خطأ بيّن من إثبات الهيولى مجرد عن الصورة كمن سنرد عليهم ، وأخذوا من أصحاب المنطق والإلهيين كلامهم في تحقيق الأجناس والأنواع والفرق بين المتصورات في الأذهان والموجودات في الأعيان وهم على صواب ظاهر دون الخنائي من المعتزلة لا رجال ولا نساء لأنهم أثبتوا أحوالا لا موجودة ولا معدومة ، والصورة كالمتصور وينهدم بنيانهم بأوهى نفخة كما يتضح الحق لأوليائه بأدنى لمحة.
فنقول : إذ أشار مشير إلى جوهر بعينه فنسألكم هل كان هذا الجوهر قبل وجوده شيئا ثابتا جوهرا جسميا من حيث هو هذا أم كان جوهرا مطلقا شيئا عاما غير متخصص بهذا؟ (١).
فإن قلتم كان بعينه جوهرا فيجب أن تحقق الإشارة إليه بهذا ويكون ذلك المشار إليه هو هذا ؛ لأن هذا لا يشاركه فيه غير هذا وإن كان قبل وجوده جوهرا مطلقا لا هذا ، فلم يكن ذلك هذا ، فلم يكن هذا شيئا والمطلق من حيث هو مطلق لا هذا ولم يكن هذا ذاك ولا ذاك هذا فما هو ثابت في العدم لم يتحقق له وجود وما تحقق له وجود لم يكن ثابتا.
وما ذكروه أن الصفات الذاتية لا تنسب إلى الفاعل بل الذي ينسب إلى الفاعل هو الوجود ، قيل ما ثبت للشيء الغير المعين من الصفات التي هو بها قد تعين غير وما ثبت للشيء المعين من الصفات التي هو بها وقد تفنن وتنوع غير والأول لا يسمى صفات ذاتية إلا بمعنى أنها عبارات عن ذاته المعينة فيكون وجوده وجوهريته وعينه وذاته عبارات عن معبر واحد وكما يحتاج في وجوده إلى الموجد يحتاج في ذاته وعينه وجوهريته وجواز الوجود هو بعينه جواز الثبوت وهو بعينه أن يكون عينا وبجوهريته في أن يكون جوهرا لا يستغني عن الموجد وإلا فيلزم أن تستغني الأشياء كلها عن الموجد من جميع وجوهها وصفاتها إلا الوجود فحسب على أنه حال لا يوصف بالوجود وأيضا فإن الوجود ليس يفتقر إلى الموجد وإلا فيلزم وجود القديم بل وجود مخصص هو بصفة الإمكان يفتقر إلى الموجد ثم الموجد الممكن من حيث هو عام لا يتحقق له وجود بل وجود ممكن هو بصفة كذا وكذا ويتحقق له وجود فيثبت أن المعين المشار إليه هو المفتقر إلى الموجد لكن لا يتحقق له وجود إلا ويريده الموجد
__________________
(١) انظر : المواقف للإيجي (١ / ٥٠٢) (٢ / ٣٧٤).