وليس يريده الموجد إلا ويعلمه قبل إيجاده فيتخصص وجوده وجودا عرضا جوهرا في علم الموجد فالمعلوم يتخصص مرادا والمراد يتخصص وجودا هو بعينه جوهر إلا أنه في ذاته يكون شيئا فيخصصه الوجود بعد الشيء حتى تتخصص الشيئية الخارجة جوهرا وتتخصص الجوهرية العامة الخارجة بهذا الجوهر وأيضا فإن الوجود أعم صفات الموجودات وإيجاد الأعم لا يوجب وجود الأخص فلو كان البياض مثلا منتسبا إلى الموجد من حيث وجوده فقط لكان يكون موجودا لا بياضا بل لو عكس الأمر وقلب الحال فقيل أوجده سوادا أو بياضا وانتسبت البياضية إلى الموجد فقط ولكن من ضرورة وجود الأخص وجود الأعم كان أمثل من حيث العقل ولذلك نقول إن البياض يضاد السواد ببياضيته فإذا انتفى السوادية انتفى الوجود إذ ليس من قضية العقل انتفاء السوادية وبقاء الوجود وعند القوم أن المعدوم عادم لوجوده كما أن الموجود واجد لوجوده فيلزم على ذلك أن لا يوجد بياض ولا يعدم سواد ولا يتحقق جوهر ولا يتخصص عرض.
والعجب كل العجب من مثبتي الأحوال أنهم جعلوا الأنواع مثل الجوهرية والجسمية والعرضية واللونية أشياء ثابتة في العدم لأن العلم قد تعلق بها والمعلوم يجب أن يكون شيئا حتى يتوكأ عليه العلم ثم هي بأعيانها أعني الجوهرية والعرضية واللونية والسوادية أحوال في الوجود ليست معلومة على حيالها ولا موجودة بانفرادها فيا له من معلوم في العدم يتوكأ عليه العلم وغير معلوم في الوجود ولو أنهم اهتدوا إلى مناهج العقول في تصورها الأشياء بأجناسها وأنواعها لعلموا أن تصورات العقول ماهيات الأشياء بأجناسها وأنواعها لا تستدعي كونها موجودة محققة أو كونها أشياء ثابتة خارجة عن العقول أو ما لها بحسب ذواتها أو أجناسها وأنواعها في الذهن من المقومات الذاتية التي تتحقق ذواتها بها لا تتوقف على فعل الفاعل حتى يمكن أن تعرف هي والوجود لا يخطر بالبال فإن أسباب الوجود غير وأسباب الماهية غير ولعلموا أن إدراكات الحواس ذوات الأشياء بأعيانها وأعلامها تستدعي كونها موجودة محققة وأشياء ثابتة خارجة عن الحواس وما لها بحسب ذواتها من كونها أعيانا وأعلاما في الحس من المخصصات العرضية التي تحقق ذواتها المعينة بها هي التي تتوقف على فعل الفاعل حتى لا يمكن أن توجد هي عرية عن تلك المخصصات فإن أسباب الماهية غير وأسباب الوجود غير ولما سمعت المعتزلة من الفلاسفة فرقا بين القسمين ظنوا أن المتصورات في الأذهان هي أشياء ثابتة في الأعيان فقضوا بأن المعدوم شيء وظنوا بأن وجود الأجناس والأنواع في الأذهان هي أحوال ثابتة في الأعيان فقضوا بأن