الذهن لا يقوم بأي اعتبار استناداً لهذه المناشئ الواقعية ، فاعتبارات الماهية اللابشرط والبشرط لا والبشرط شيء ـ مثلاً ـ ليست مجرد انعكاسات عن الواقع من دون تدخل الذهن في صناعة الاعتبار المتلائم مع المنشأ الواقعي كما شرحناه في الْأَمثلة السابقة ، حيث أن الْأمور الانتزاعية اعتبارات يصنعها الذهن لوجود مناشئ واقعية تستلزم هذا الاعتبار ولو على نحو الاقتضاء لا العلية التامة ، بناءاً على عدم وجود الامر الانتزاعي خارجاً لا بالْأَصالة ولا بالتبع لمنشأ انتزاعه وإنما ينسب إليه الوجود بالعرض .
كما أن الصور الذهنية المختلفة لشيء واحد يقوم الذهن بخلقها لمناشئ واقعية تدعو النفس الى خلق تلك الصور ، فالاعتبارات التي طرحها الفلاسفة في باب اعتبارات الماهية وباب الجنس والفصل اعتبارات فرضية ناشئة عن حيثيات واقعية كما أوضحنا ذلك ، فلا مانع حينئذ من كون المشتق متحداً في المعنىٰ مع المبدأ وكون الفرق بينهما فرقاً اعتبارياً راجعاً إلىٰ اللابشرط والبشرط لا بحيث يصح الحمل بناءاً على أحد الاعتبارين ولا يصح بناءاً على الاعتبار الآخر ، ولا دليل عندنا على أن كل اعتبار لا بد أن يكون قابلاً للزوال باعتبار يغايره ، فإن ذلك خاص بالاعتبارات الْأَدبية ونحوها وأما الاعتبار الناشئ عن حيثية واقعية فلا يزول ما دام المنشأ الواقعي له موجوداً .
وثالثاً
: إن ظاهر كلامه ( قده ) أن الاعتبارات المجازية لا مجال لها في العلوم العقلية مع أن الفلاسفة قد عقدوا بحثاً في تعريف الواسطة وانقسامها للواسطة في الثبوت والواسطة في العروض والواسطة في العروض راجعة للإسناد المجازي المبني على الاعتبار الذهني ، فمثلاً إذا قلنا الجسم أبيض فإن هذه الجملة وإن كانت بحسب نظر العرف إسناداً حقيقياً الا أنها اسناد مجازي بنظر العقل ، لأَن الْأَبيض هو البياض في الواقع لا الجسم وإنما أسند للجسم لواسطة في العروض ، وهي حيثية ارتباط البياض به على نحو التركيب