النيسابوريّ (١) إلى القيل ، وجعل ما رُوي في نصِّ الولاية أوّل الوجوه ، وأسنده إلى ابن عبّاس والبراء بن عازب وأبي سعيد الخُدريّ ومحمد بن عليّ عليهماالسلام.
والطبريّ الذي هو أقدم وأعرف بهذه الشؤون أهملها رأساً ، وهو وإن لم يذكر حديث الولاية ـ أيضاً ـ لكنّه أفرد له كتاباً أخرجه فيه بنيِّف وسبعين طريقاً ، كما سبق ذكرُه وذكرُ من عزاه إليه في هذا الكتاب ، وروىٰ هناك نزول الآية ـ عندئذٍ ـ بإسناده عن زيد بن أرقم ، والرازي نفسه لم يعتبر منها إلّا ما زاد علىٰ رواية الطبريّ في تاسع الوجوه من التهيّب من اليهود والنصارىٰ ، وستقف علىٰ حقيقة الحال فيه.
فهي غير صالحة للاعتماد عليها ، ولا ناهضة لمجابهة الأحاديث المعتبرة السابق ذكرها التي رواها من قدّمنا ذكرهم من أعاظم العلماء كالطبريّ ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، وأبي نعيم ، وأبي إسحاق الثعلبيّ ، والواحديّ ، والسجستانيّ والحَسكانيّ ، والنطنزيّ ، والرسعنيّ وغيرهم بأسانيد جمّة ، فما ظنّك بحديث يعتبره هؤلاء الأئمّة ؟
علىٰ أنَّ اللائح علىٰ غير واحد من الوجوه ـ [ مع ] لوائح الافتعال السائد عليها ـ عدم التلاؤم بين سياق الآية وسبب النزول ، فلا يعدو جميعها أن يكون تفسيراً بالرأي ، أو استحساناً من غير حجّة ، أو تكثيراً لِلَّغط أمام حديث الولاية ، فتّاً في عضده ، وتخذيلاً عن تصديقه ، ويأبى الله إلّا أن يتمّ نوره.
قال الرازي (٢) بعد عدّ الوجوه :
إعلم أنَّ هذه الروايات وإن كثرت ، إلّا أنَّ الأولىٰ حمله علىٰ أنَّه تعالىٰ آمنه من مكر اليهود والنصارىٰ وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم ؛ وذلك لأنّ ما قبل هذه الآية بكثير وما بعدها بكثير ، لمّا كان كلاماً مع اليهود والنصارىٰ امتنع إلقاء هذه
___________________________________
(١) غرائب القرآن : ٦ / ١٩٤.
(٢) التفسير الكبير : ١٢ / ٥٠.