كما أنَّ غير واحد من السور المدنيّة فيها آيات مكيّة :
منها : سورة المجادلة ، فإنّها مدنيّة إلّا العشر الأُوَل ، ومنها تسمية السورة ، كما في تفسير أبي السعود (١) في هامش الجزء الثامن من تفسير الرازي ( ص ١٤٨ ) ، والسراج المنير (٢) ( ٤ / ٢١٠ ).
ومنها : سورة البلد مدنيّة إلّا الآية الأولىٰ ـ وبها تسميتها بالبلد ـ إلىٰ غاية الآية الرابعة كما قيل في الإتقان (٣) ( ١ / ١٧ ) وسور أخرىٰ لا نُطيل بذكرها المجال.
علىٰ أنَّ من الجائز نزول الآية مرّتين ، كآيات كثيرة نصَّ العلماء علىٰ نزولها مرّةً بعد أخرىٰ عظةً وتذكيراً ، أو اهتماماً بشأنها ، أو اقتضاء موردين لنزولها غير مرّة ، نظير البسملة ، وأوّل سورة الروم ، وآية الروح ، وقوله : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ ) (٤) وقوله : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ) (٥) ... إلىٰ آخر النحل. وقوله : ( مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّـهِ ) (٦) الآية ، وقوله : ( أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ) (٧) ، وقوله : ( أَلَيْسَ اللَّـهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) (٨) ، وسورة الفاتحة ، فإنّها نزلت مرّةً بمكّة حين فرضت الصلاة ، ومرّة بالمدينة حين حُوِّلت القبلة. ولتثنية نزولها سُمِّيت بالمثاني (٩).
الوجه الثالث : إنَّ قوله تعالىٰ : ( وَإِذْ قَالُوا اللَّـهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ
___________________________________
(١) إرشاد العقل السليم : ٨ / ٢١٥.
(٢) السراج المنير : ٤ / ٢١٩.
(٣) الإتقان في علوم القرآن : ١ / ٤٧.
(٤) التوبة : ١١٣.
(٥) النحل : ١٢٦.
(٦) البقرة : ٩٨.
(٧) هود : ١١٤.
(٨) الزمر : ٣٦.
(٩) راجع إتقان السيوطي ١ / ٦٠ [ ١ / ٣١ ] ، وتاريخ الخميس ١ / ١١. ( المؤلف )