ومن نماذج آرائه :
قوله في الفِصَل ( ٤ / ١٦١ ) في المجتهد المخطئ :
وعمّار رضياللهعنه قتله أبو الغادية يسار بن سبع السلمي ، شهد عمّار بيعة الرضوان فهو من شهداء الله له بأنّه علم ما في قلبه ، وأنزل السكينة عليه ، ورضي عنه ، فأبو الغادية رضياللهعنه متأوِّل مجتهد مخطئ فيه باغٍ عليه مأجور أجراً واحداً ، وليس هذا كقتلة عثمان رضياللهعنه لأنّهم لا مجال للاجتهاد في قتله ؛ لأنّه لم يقتل أحداً ولا حارب ولا قاتل ولا دافع ولا زنىٰ بعد إحصان ولا ارتدَّ فيسوِّغ المحاربةَ تأويلٌ ، بل هم فسّاقٌ محاربون سافكون دماً حراماً عمداً بلا تأويل علىٰ سبيل الظلم والعدوان ، فهم فسّاقٌ ملعونون. انتهىٰ.
لم أجد معنىً لاجتهاد أبي الغادية ـ بالمعجمة ـ وهو من مجاهيل الدنيا ، وأفناء الناس ، وحُثالة العهد النبويّ ، ولم يُعرَّف بشيء غير أنَّه جُهنيٌّ ، ولم يُذكَر في أيِّ معجم بما يعرب عن اجتهاده ، ولم يُروَ منه شيءٌ من العلم الإلٰهيّ سوىٰ قول النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : « دماؤكم وأموالكم حرام » وقوله : « لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض » ، وكان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يتعجّبون من أنَّه سمع هذا ويقتل عمّاراً (١) ، ولم يَفُهْ أيُّ أحد من أعلام الدين إلىٰ يوم مجيء ابن حزم باجتهاد مثل أبي الغادية.
ثمّ لم أدرِ معنىٰ هذا الاجتهاد في مقابل النصوص النبويّة في عمّار ، ولست أعني بها قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم في الصحيح الثابت المتواتر (٢) لعمّار : « تقتلك الفئة الباغية » ، وفي لفظ : « الناكبة عن الطريق » ، وإن كان لا يدع مجالاً للاجتهاد في تبرير قتله ، فإنّ
___________________________________
(١) الاستيعاب : ٢ / ٦٨٠ [ القسم الرابع / ١٧٢٥ رقم ٣١٠٩ ] ، والإصابة : ٤ / ١٥٠ [ رقم ٨٨١ ].
( المؤلف )
(٢) ذكر تواتره ابن حجر في الإصابة : ٢ / ٥١٢ [ رقم ٥٧٠٤ ] ، وتهذيب التهذيب : ٧ / ٤٠٩ [ ٧ / ٣٥٨ رقم ٦٦٥ ]. ( المؤلف )