قاتله مهما تأوّل فهو عادٍ عليه ناكبٌ عن الطريق ، ونحن لا نعرف اجتهاداً يسوِّغ العدوان الذي استقلَّ العقل بقبحه ، وعاضده الدين الإلٰهيّ الأقدس ، وإن كان أوّله معاوية أو ردّه ـ لمّا حدّث به عبد الله بن عمرو ، وقال عمرو بن العاص : يا معاوية أما تسمع ما يقول عبد الله ؟! ـ بقوله :
إنَّك شيخٌ أخرق ، ولا تزال تُحدِّث بالحديث ، وأنت ترحض في بولك ، أنحن قتلناه ؟ إنَّما قتله عليٌّ وأصحابه جاءوا به حتىٰ ألقوه بين رماحنا (١) ، وبقوله : أفسدت عليَّ أهل الشام ، أكلّ ما سمعت من رسول الله تقوله ؟
فقال عمرو : قُلتها ولستُ أعلم الغيب ، ولا أدري أنَّ صفّين تكون ، قلتها وعمّار يومئذٍ لك وليّ ، وقد رَويتَ أنت فيه مثل ما رَويتُ.
ولهما في القضيّة معاتبة مشهورة وشعر منقول ، منه قول عمرو :
تعاتبُني أنْ قلتُ شيئاً سَمعتُهُ |
|
وقد قلتَ لو أنصفتَني مثلَهُ قبلي |
أنعلُكَ فيما قُلْتَ نعلٌ ثَبيتةٌ |
|
وتزلقُ بي في مثل ما قُلتَه نعلي |
وما كان لي علمٌ بصفّينَ أنَّها |
|
تكون وعمّارٌ يحثُّ علىٰ قتلي |
ولو كان لي بالغيب علمٌ كتمتُها |
|
وكابدتُ أقواماً مراجلُهم تغلي |
أبى الله إلّا أنَّ صدرَكَ واغرٌ |
|
عليَّ بلا ذنبٍ جَنَيْتُ ولا ذَحْلِ |
سوىٰ أنَّني والراقصاتِ عشيّةً |
|
بنصرك مدخولُ الهوىٰ ذاهلُ العقلِ |
وأجابه معاوية بأبيات منها :
فيا قبّحَ الله العتابَ وأهلَهُ |
|
ألم تَرَ ما أصبحتُ فيه من الشغلِ |
فدع ذا ولكن هل لك اليومَ حيلةٌ |
|
تردُّ بها قوماً مراجلهم تغلي |
___________________________________
(١) تاريخ الطبري : ٦ / ٢٣ [ ٥ / ٤١ ] ، وتاريخ ابن كثير : ٧ / ٣٦٩ [ ٧ / ٢٩٩ حوادث سنة ٣٧ هـ ].
( المؤلف )