تحيّة بينهم ضربٌ وجيعُ. أو متولّيكم يتولّاكم كما تولّيتم موجباتها في الدنيا (١). انتهىٰ.
فإنّه لا يعني به الحقيقة اللغويّة التي نصّ بها أوّلاً ، وإنَّما يريد الحاصل من المعنىٰ ، ويشعر إلىٰ (٢) ذلك تقديم قوله : ( هيَ أَولىٰ بكُم ) واستشهاده ببيت لبيد الذي لم يحتمل فيه غير هذا المعنىٰ ، وقوله أخيراً : مكانكم الذي يقال فيه ... إلخ. وأنَّه أخذ في تقريب بقيّة المعاني بأنحاء من العناية يناسب كلٌ منها واحداً منهنّ إلّا معنى ( الأَولىٰ ) ، فإنّه لم يقرِّبْه من الوجهة اللغويّة ، بل أثبته بتقديمه والاستشهاد بالشعر ، وإنَّما طفِق يقرّبُه من وجهة القصد والإرادة. ويقرب منه ما في تفسير النسفي.
وقال الخازن (٣) : ( هِيَ مَوْلَاكُمْ ) أي وليّكم ، وقيل : أَولىٰ بكم لِما أسلفتم من الذنوب ، والمعنىٰ هي التي تلي عليكم لأنّها ملكت أمركم وأُسلِمتم إليها ، فهي أَولىٰ بكم من كلِّ شيء ، وقيل : معنى الآية : لا مولىٰ لكم ولا ناصر ؛ لأنّ من كانت النار مولاه فلا مولىٰ له. انتهىٰ.
أمّا تفسيره بالوليّ ، فلا منافاة فيه لما نرتئيه لما ثبت من مساوقة ( الوليّ ) مع ( المولىٰ ) في جملة من المعاني.
ومنها : الأَولىٰ بالأمر ، وسيوافيك إيضاح ذلك إن شاء الله ، فيكون القولان محض تغاير في التعبير ، لا تبايناً في الحقيقة. وما استرسل بعد ذلك من البيان فهو تقريب لإرادة المعنىٰ كما أسلفناه. والقول الثالث هو ذكر لازم المعنىٰ سواءٌ كان هو الوليّ أو الأَولىٰ ، فلا معاندة بينه وبين ما تقدّمه من تفسير اللفظ.
وهناك آيات أخرىٰ استعمل فيها المولىٰ أيضاً بمعنى الأَولىٰ بالأمر منها :
___________________________________
(١) أنوار التنزيل : ٢ / ٤٦٩.
(٢) الظاهر أنَّه قدسسره ضمّن « يشعر » معنىٰ « يشير » فعدّاه بـ « إلىٰ ».
(٣) تفسير الخازن : ٤ / ٢٢٩.