بيان الشرطيّة : إنَّ تصرّف الواضع ليس إلّا في وضع الألفاظ المفردة للمعاني المفردة ، فأمّا ضمُّ بعض تلك الألفاظ إلى البعض بعد صيرورة كلِّ واحد منهما موضوعاً لمعناه المفرد فذلك أمر عقليّ ، مثلاً إذا قلنا : الإنسان حيوان فإفادة لفظ الإنسان للحقيقة المخصوصة بالوضع ، وإفادة لفظ الحيوان للحقيقة المخصوصة أيضاً بالوضع ، فأمّا نسبة الحيوان إلى الإنسان ـ بعد المساعدة علىٰ كون كلِّ واحد من هاتين اللفظتين موضوعة للمعنى المخصوص ـ فذلك بالعقل لا بالوضع ، وإذا ثبت ذلك فلفظة ( الأَولىٰ ) إذا كانت موضوعةً لمعنىً ولفظة ( من ) موضوعة لمعنىً آخر ، فصحّة دخول أحدهما على الآخر لا تكون بالوضع بل بالعقل.
وإذا ثبت ذلك ، فلو كان المفهوم من لفظة ( الأَولىٰ ) بتمامه من غير زيادة ولا نقصان هو المفهوم من لفظة ( المولىٰ ) ، والعقل حكَمَ بصحّة اقتران المفهوم من لفظة ( من ) بالمفهوم من لفظة ( الأَولىٰ ) ، وجب صحّة اقترانه أيضاً بالمفهوم من لفظة ( المولىٰ ) ؛ لأنّ صحّة ذلك الاقتران ليست بين اللفظين ، بل بين مفهوميهما.
بيان أنَّه ليس كلُّ ما يصحّ دخوله علىٰ أحدهما صحّ دخوله علىٰ الآخر : إنَّه لا يقال : هو مولىً من فلان ، ويصحّ أن يقال : هو مولىً ، وهما مولَيان ، ولا يصحّ أن يقال : هو أَولى ـ بدون من ـ وهما أَوليان. وتقول : هو مولى الرجل ومولىٰ زيد ، ولا تقول : هو أَولىٰ الرجل وأَولىٰ زيد. وتقول : هما أَولىٰ رجلين وهم أَولىٰ رجال ، ولا تقول : هما مولىٰ رجلين ، ولا هم مولىٰ رجال ، ويقال : هو مولاه ومولاك ، ولا يقال : هو أولاه وأولاك. لا يقال : أليس يقال : ما أَولاه ! لأنّا نقول : ذاك أفعل التعجّب ، لا أفعل التفضيل ، علىٰ أنَّ ذاك فعل ، وهذا اسم ، والضمير هناك منصوب ، وهنا مجرورٌ ، فثبت أنَّه لا يجوز حمل المولىٰ على الأَولىٰ. انتهىٰ.
وإن تعجب فعجب أن
يعزب عن الرازي اختلاف الأحوال في المشتقّات لزوماً وتعديةً بحسب صِيَغها المختلفة . إنَّ اتحاد المعنىٰ أو الترادف بين الألفاظ
إنَّما يقع في جوهريّات المعاني ، لا عوارضها الحادثة من أنحاء التركيب وتصاريف الألفاظ