ولم يكن النبيّ تابعاً لأيّ أحد غير مُرسله جلّت عظمته ، فلا معنىٰ لهتافه بين الملأ بأنّ من هو تابعه فَعليٌّ تابعٌ له.
ولم يكن علىٰ رسول الله لأيِّ أحد من نعمة ، بل له المِنن والنعم على الناس أجمعين ، فلا يستقيم المعنىٰ بإرادة المنعَم عليه.
وما كان النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم يشارك أحداً في تجارة أو غيرها حتىٰ يكون وصيّه مشاركاً له أيضاً ، علىٰ أنَّه معدود من التافهات إن تحقّقت هناك شراكة ، وتجارته لأُمّ المؤمنين خديجة قبل البعثة كانت عملاً لها لا شراكة معها ، ولو سلّمناها فالوصيّ ـ سلام الله عليه ـ لم يكن معه في سفره ، ولا له دخلٌ في تجارته.
ولم يكن نبيُّ العظمة محالفاً لأحد ليعتزَّ به ، وإنَّما العزّة لله ولرسوله وللمؤمنين ، وقد اعتزّ به المسلمون أجمع ، إذن فكيف يمكن قصده في المقام ؟ وعلىٰ فرض ثبوته فلا ملازمة بينهما.
وأمّا الصاحب والجار والنزيل والصهر والقريب سواء أُريد منه قُربى الرحم أو قرب المكان فلا يمكن إرادة شيء من هذه المعاني لسخافتها ، لا سيّما في ذلك المحتشد الرهيب في أثناء المسير ، ورمضاء الهجير ، وقد أمر صلىاللهعليهوآلهوسلم بحبس المقدّم في السير ، ومنع التالي منه في محلّ ليس بمنزل له ، غير أنَّ الوحيَ الإلٰهيّ ـ المشفوع بما يشبه التهديد إن لم يبلِّغ ـ حبَسه هنالك ، فيكون صلىاللهعليهوآلهوسلم قد عقد هذا المحتفَل والناس قد أنهكهم وعثاء السفر ، وحرُّ الهجير ، وحراجةُ الموقف حتىٰ إنَّ أحدهم لَيضع رداءه تحت قدميه ، فيرقى هنالك منبر الأحداج (١) ، ويُعلمهم عن الله تعالىٰ أنَّ نفسه نُعِيت إليه ، وهو مهتمٌّ بتبليغ أمر يخاف فوات وقته بانتهاء أيّامه ، وأنَّ له الأهمّية الكبرىٰ في الدين والدنيا ، فيخبرهم عن ربِّه بأمور ليس للإشادة بها أيّ قيمة ، وهي أنَّ من كان هو صلىاللهعليهوآلهوسلم مصطحباً أو جاراً أو مصاهراً له أو نزيلاً عنده أو قريباً منه بأيّ المعنيين فعليٌّ كذلك ،
___________________________________
(١) الأحداج : الإبل برحلها.