قال الفخر الرازي في تفسيره (١) ( ٧ / ٤٥٩ ) :
احتجّ أصحابنا بهذه الآية علىٰ أنَّ الثواب يحصل تفضّلاً من الله تعالىٰ ، لا بطريق الاستحقاق ؛ لأنّه تعالىٰ لمّا عدّ أقسام ثواب المتّقين بيّن أنَّها بأسرها إنَّما حصلت علىٰ سبيل الفضل والإحسان من الله تعالىٰ ، ثمّ قال تعالىٰ : ( ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) ، واحتجّ أصحابنا بهذه الآية علىٰ أنَّ التفضيل أعلىٰ درجة من الثواب المستحَقّ ، فإنّه تعالىٰ وصفه بكونه فضلاً من الله ، ثمّ وصف الفضل من الله بكونه فوزاً عظيماً ، ويدلّ عليه أيضاً أنَّ الملِك العظيم إذا أعطى الأجير أجرته ، ثمّ خلع علىٰ إنسان آخر ، فإنّ تلك الخلعة أعلىٰ حالاً من إعطاء تلك الأجرة. انتهىٰ.
وقال ابن كثير نفسه في الآية الشريفة في تفسيره ( ٤ / ١٤٧ ) : ثبت في الصحيح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنَّه قال :
« اعملوا وسدِّدوا وقاربوا ، واعلموا أنَّ أحداً لن يدخله عملُه الجنّة. قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلّا أن يتغمّدني الله برحمة منه وفضل ». انتهىٰ.
وبوسعك استشعار هذا المعنىٰ من الصحيح الذي أخرجه البخاري في صحيحه (٢) ( ٤ / ٢٦٤ ) عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنَّه قال :
« حقُّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ، وحقُّ العباد على الله أن لا يعذِّب من لا يشرك به شيئاً » ، وأنت جِدُّ عليم بأنّ هذا المقدار من الحقِّ الثابت على الله للعباد إنَّما هو بتقرير العقل السليم ، وأمّا الزائد عليه من النعيم الساكت عنه نبيّ البيان فليس إلّا الفضل والإحسان من المولىٰ سبحانه.
وأنت تجد في معاملات الدول مع أفراد الموظّفين أنَّه ليس بإزاء واجباتهم
___________________________________
(١) التفسير الكبير : ٢٧ / ٢٥٤.
(٢) صحيح البخاري : ٣ / ١٠٤٩ ح ٢٧٠١.