وحضور النّيّة والقلب فى العبادات والطاعات ، والإكثار منها ، فإنّ من يعلم أنه يموت غدا يكثر من عبادته ويخلص في طاعته. كقوله في الحديث الآخر «صلّ صلاة مودّع».
قال بعض أهل العلم : المراد من هذا الحديث غير السّابق إلى الفهم من ظاهره ؛ لأنّ النبى صلىاللهعليهوسلم إنما ندب إلى الزّهد في الدنيا ، والتّقليل منها ، ومن الانهماك فيها والاستمتاع بلذّاتها ، وهو الغالب على أوامره ونواهيه فيما يتعلق بالدنيا فكيف يحثّ على عمارتها والاستكثار منها ، وإنما أراد ـ والله أعلم ـ أنّ الإنسان إذا علم أنه يعيش أبدا قلّ حرصه ، وعلم أنّ ما يريده لن يفوته تحصيله بترك الحرص عليه والمبادرة إليه ، فإنه يقول : إن فاتنى اليوم أدركته غدا ، فإنّى أعيش أبدا ، فقال عليه الصلاة والسلام : اعمل عمل من يظنّ أنه يخلّد فلا يحرص في العمل ، فيكون حثّا له على الترك والتّقليل بطريقة أنيقة من الإشارة والتّنبيه ، ويكون أمره لعمل الآخرة على ظاهره ، فيجمع بالأمرين حالة واحدة وهو الزّهد والتّقليل ، لكن بلفظين مختلفين.
وقد اختصر الأزهرى هذا المعنى فقال : معناه تقديم أمر الآخرة وأعمالها حذار الموت بالفوت على عمل الدنيا ، وتأخير أمر الدنيا كراهية الاشتغال بها عن عمل الآخرة.
(ه) وفي حديث عبد الله «احْرُثُوا هذا القرآن» أى فتّشوه وثوّروه. والحَرْثُ : التّفتيش.
(ه) وفيه «أصدق الأسماء الحَارِث» لأنّ الحَارِث هو الكاسب ، والإنسان لا يخلو من الكسب طبعا واختيارا.
[ه] ومنه حديث بدر «اخرجوا إلى معايشكم وحَرَائِثِكُمْ» أى مكاسبكم ، واحدها حَرِيثَة. قال الخطّابى : الحَرَائِثُ : أنضاء الإبل ، وأصله في الخيل إذا هزلت فاستعير للإبل ، وإنّما يقال في الإبل أحرفناها بالفاء. يقال ناقة حرف : أى هزيلة. قال : وقد يراد بالحَرَائِثِ المكاسب ، من الاحْتِرَاث : الاكتساب. ويروى «حرائبكم» بالحاء والباء الموحّدة. وقد تقدّم.
(س) ومنه قول معاوية «أنه قال للأنصار : ما فعلت نواضحكم؟ قالوا : حَرَثْنَاهَا يوم بدر» أى أهزلناها. يقال حَرَثْتُ الدّابّة وأَحْرَثْتُهَا بمعنى أهزلتها. وهذا يخالف قول الخطّابى.