(س) ومنه الحديث «أن رجلا قال له : ما لى أرى أَمْرَكَ يَأْمَرُ؟ فقال : والله لَيَأْمَرَنَ» ، أى ليزيدنّ على ما ترى.
ومنه حديث ابن مسعود «كنا نقول في الجاهلية قد أَمِرَ بنو فلان» أى كثروا.
(ه) وفيه «أَمِيرِي من الملائكة جبريل» أى صاحب أمرى ووليّى ، وكل من فزعت إلى مشاورته ومُؤَامَرَتِهِ فهو أَمِيرُك.
ومنه حديث عمر رضى الله عنه «الرجال ثلاثة : رجل إذا نزل به أَمْرٌ ائْتَمَرَ رأيه» أى شاور نفسه وارتأى قبل مواقعة الأمر. وقيل المُؤْتَمِر الذى يهمّ بأمر يفعله.
(ه) ومنه الحديث الآخر «لا يَأْتَمِرُ رشدا» أى لا يأتى برشد من ذات نفسه. ويقال لكل من فعل فعلا من غير مشاورة : ائْتَمَر ، كأن نفسه أَمَرَتْهُ بشىء فَائْتَمَرَ لها ، أى أطاعها (١).
(س) وفيه «آمِرُوا النساء في أنفسهن» أى شاوروهنّ في تزويجهنّ. ويقال فيه وامرته ، وليس بفصيح ، وهذا أمر ندب وليس بواجب ، مثل قوله : البكر تستأذن. ويجوز أن يكون أراد به الثّيّب دون الأبكار ؛ فإنه لا بدّ من إذنهنّ في النكاح ، فإن في ذلك بقاء لصحبة الزّوج إذا كان بإذنها.
(س) ومنه حديث ابن عمر رضى الله عنهما «آمِرُوا النّساء في بناتهنّ» هو من جهة استطابة أنفسهنّ ، وهو أدعى للألفة ، وخوفا من وقوع الوحشة بينهما إذا لم يكن برضا الأم ، إذ البنات إلى الأمّهات أميل ، وفي سماع قولهنّ أرغب ؛ ولأنّ الأم ربما علمت من حال بنتها الخافي عن أبيها أمرا لا يصلح معه النكاح ، من علّة تكون بها أو سبب يمنع من وفاء حقوق النكاح. وعلى نحو من هذا يتأوّل قوله «لا تزوّج البكر إلا بإذنها وإذنها سكوتها» لأنّها قد تستحى أن تفصح بالإذن وتظهر الرغبة في النكاح ، فيستدلّ بسكوتها على رضاها وسلامتها من الآفة. وقوله في حديث آخر «البكر تُسْتَأْذَنُ والأيّم تُسْتَأْمَرُ» لأن الإذن يعرف بالسكوت ، والأمر لا يعلم إلا بالنّطق.
ومنه حديث المتعة «فَآمَرَتْ نفسها» أى شاورتها واستأمرتها.
__________________
(١) أنشد الهروى للنمر بن تولب :
اعلما أنّ كلّ مؤتمر |
|
مخطئ في الرأي أحياناً |