(ه) وفى حديث معاوية «أنه رأى رجلا يجيد الأكل فقال : إنه لمِخْضَد» الْخَضْدُ : شدّة الأكل وسرعته. ومِخْضَدٌ مفعل منه ، كأنه آلة للأكل.
(ه) ومنه حديث مسلمة بن مخلد «أنه قال لعمرو بن العاص : إنّ ابن عمّك هذا لَمِخْضَدٌ» أى يأكل بجفاء وسرعة.
(خضر) (ه) فيه «إن أخوف ما أخاف عليكم بعدى ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا ، وذكر الحديث ، ثم قال : إنّ الخير لا يأتى إلا بالخير ، وإنّ ممّا ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلمّ ، إلّا آكلة الخَضِرِ ، فإنها أكلت حتى إذا امتدّت خاصرتاها استقبلت عين الشمس فثلطت وبالت ثم رتعت ، وإنما هذا المال خَضِرٌ حلو ، ونعم صاحب المسلم ، هو لمن أعطى منه المسكين واليتيم وابن السبيل» هذا الحديث يحتاج إلى شرح ألفاظه مجتمعة ، فإنه إذا فرّق لا يكاد يفهم الغرض منه :
الحبط بالتحريك : الهلاك. يقال حبط يحبط حبطا ، وقد تقدم فى الحاء. ويلمّ : يقرب. أى يدنو من الهلاك. والخَضِرُ بكسر الضاد : نوع من البقول. ليس من أحرارها وجيّدها. وثلط البعير يثلط إذا ألقى رجيعه سهلا رقيقا. ضرب فى هذا الحديث مثلين : أحدهما للمفرط فى جمع الدّنيا والمنع من حقّها ، والآخر للمقتصد فى أخذها والنّفع بها. فقوله : إنّ ممّا ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلمّ ، فإنه مثل للمفرط الذى يأخذ الدنيا بغير حقّها ، وذلك أن الربيع ينبت أحرار البقول فتستكثر الماشية منه لاستطابتها إياه ، حتى تنتفخ بطونها عند مجاوزتها حدّ الاحتمال ، فتنشقّ أمعاؤها من ذلك فتهلك أو تقارب الهلاك ، وكذلك الذى يجمع الدّنيا من غير حلّها ويمنعها مستحقّها قد تعرّض للهلاك فى الآخرة بدخول النّار ، وفى الدنيا بأذى الناس له وحسدهم إيّاه ، وغير ذلك من أنواع الأذى. وأما قوله إلا آكلة الْخَضِر ، فإنه مثل للمقتصد ، وذلك أن الْخَضِر ليس من أحرار البقول وجيّدها التى ينبتها الربيع بتوالى أمطاره فتحسن وتنعم ، ولكنّه من البقول التى ترعاها المواشى بعد هيج البقول ويبسها حيث لا تجد سواها ، وتسمّيها العرب الجنبة ، فلا ترى الماشية تكثر من أكلها ولا تستمرئها ، فضرب آكلة الخَضِر من المواشى مثلا لمن يقتصد فى أخذ الدنيا وجمعها ، ولا يحمله الحرص على أخذها بغير حقّها ، فهو بنجوة من وبالها ، كما نجت آكلة الخَضِر ،