ولكنهم بَنَوْا عليه الفِعْل كما بَنَوْه على أفْعَلْت كقولك ناوَلْته وعاقَبْته وعافَاهُ اللهُ وسافَرْت وظاهَرْت عليه ومعنى ظاهَرْت ـ أى أضْعَفْت عليه لِبَاسَه كقولك ظاهَرَ عليْهِ دِرْعَينِ وثَوبَيْنِ ـ أى جعَل أحدَهما ظِهَارة والآخَرَ بِطانةً ومن هذا قولهم تظَاهَرَتْ نِعَمُ اللهِ عليه وظاهَرْت كُتُبِى اليك ـ أى تابَعْت فصار بعضُها كالظَّهْر لبَعْض فصارتْ هذه الافعالُ كسائِر الأَبْنِية التى تَرِد فيما يتعَدَّى من الأفْعال كقولك أكْرَمْته وما أشبَهَ ذلك وقالوا ضاعَفْت وضَعَّفت وناعَمْته ونَعَّمْته كما قالوا عاقَبْته وتقول تَعَاطَيْنا وتَعَطَّيْنا فيكون تعاطَيْنا من اثنَينِ كأنك قلت عاطَيْته الكاسَ ـ أى أعْطانِى كَأْسا وأَعْطَيته مثلَها فاذا قلت تَعَطَّينا فقد أردتَ التكثِيرَ فى هذا المعنى* قال أبو على* ومن هذا الباب قولهم قارَبَ وقَرَّبَ وباعدَ وبَعَّدَ وعلى هذا قراءةُ من قرأ (رَبَّنا باعِدْ) وبَعِّدْ* قال سيبويه* وأما تفاعلْتَ فلا يكون الا وأنت تريد فعل اثنين فصاعدا ولا يجوز أن يكون معملا في مفْعُول ولا يتعدَّى الفِعْل الى منصوب ففى تَفاعَلْنا يُلْفَظ بالمعنَى الذى كان في فاعَلْته وذلك قولك تضَارَبْنا وترامَيْنا وتَقَاتَلْنا* قال أبو سعيد* اعلم أن فاعَلْته يجوز أن تكون من فِعْل متَعَدٍّ الى مفعُولٍ ثانٍ غيرِ الذى يفْعَل بكَ مثلَ فِعْلك ويجوز أن لا يكونَ متعَدِّيا إلى أكثَرَ كقولك ضارَبْت زيدا وشاتَمْته وليس بعدَ زيدٍ مفعولٌ آخَرُ فاذا قلت تَضارَبْنا وتَشاتَمْنا فقد ذكرتَ فِعْل كلِّ واحدٍ منكما بالآخَرِ ولا مفعولَ غيرُكما وهذا الذى أراد سيبويه أنه لا يكون مُعْملا في مفعُول وقد يجوز أن يكونَ الفِعل متعدِّيا الى اثنين في الأصل فيُؤْتَى بمفعُولٍ آخَرَ في قولك تَفاعَلْنا وذلك قولُك عاطَيْت زيدًا الكأس ونازَعْته المالَ فاذا جعَلْت الفِعلَ لنا قلت تَعاطَيْنا الكَأْسَ وتنَازَعْنا المالَ قال الشاعر
فلَمَّا تَنَازَعْنا الحَدِيثَ وأسْمَحَتْ |
|
هَصَزتُ بغُصْنٍ ذِى شَمارِيخَ مَيَّالِ |
وقال الأعشى
نازَعْتُهمْ قُضُبَ الرَّيْحانِ مُرْتَفِقًا |
|
وقَهْوةً مُزَّة راوُوقُها خَضِلُ |
وقال ابن أبى ربيعة
ولَمَّا تَفاوَضْنا الحَدِيثَ وأسْفَرَتْ |
|
وُجُوهٌ زَهاها الحُسْنُ أن تَتَقَنَّعَا |
* وقد يجِىءُ تَفاعَلُوا وافْتَعَلُوا في معنًى واحِدٍ كقولك تَضارَبُوا واضطَربُوا وتَقاتَلُوا