الموضِع بمعنى الاجتماع دُونَ العطف وانما سمَّى النحويُّون هذه الواوَ بمعنى مع الاجتماع لأن معنَى معَ الصُّحبةُ والصحبة اجتماعٌ وسَمَّوا المنتصِب بعده مفعولا معه وقد تجىءُ الواوُ غيْرَ عاطفةٍ على غير هذا الوجه في نحو قوله تعالى (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) فهى لغير العطْف في هذا الموضع أيضا وذلك أن الجملةَ التى بعدها غيْرُ داخلة في اعرابِ الاسمِ الذى قبْلَها ولا هى معطوفةٌ على الجملة التى قبلها وانما الكلامُ مجموعُه في موضعِ نصب بوقوعُه موقِعَ الحال فهذا ما يُنْبِئُك عن استحكام الواو في باب الدِّلالة على الاجتماع اذ كان حكم الحال أن تكون مصاحِبةً لذى الحالِ فان جاء شئ ظاهرُه على خلاف الاجتماع رُدّ تأويلُه اليه نحو قول أهل العربية فيما حُكى من قولهم مَررْت برجُل معه صَقْرٌ صائِدًا به غَدًا أن معناه مقَدِّرا به الصيدَ غدًا فلمَّا كان حال الواو ما وصفتُ لك وكان حكم الحالِ ما ذكرْتُ وقعت الجملُ بعدَها وصارت هى معها في موضِع الحال ولِمَا ذكرنا من تعلُّق هذه الجملة التى دخلت الواو عليها بما قبْلَها في قوله تعالى (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) وكونِها معها في موضع نصب مثَّلَها سيبويه باذْ فقال كأنه تعالى قال اذ طائفة يريد أن تعلُّقَ هذه الواو معها ودخولَها عليها بما قبلها كتعلُّق إذ مع ما اتصلتْ به بما قبْلَها وأنها معَ ما بعدَها في موضع نَصْب كما أن تِلْك مع ما بعدها في موضِع نصب فى ذلك الموضِع
شرح الفاء
والفاء تضُمُّ الشىءَ الى الشىءِ فيه تُوافِق الواوَ في ضمِّ الشئ الى الشىءِ وتُفارقها في الاجتِماع وهى لازِمة للدلالة على الاتْباع كلُزُوم الواو للدِّلالة على الاجتِماع وذلك أعنى الاتباع أعمُّ فيها من العطف كما أن الاجتِماع في الواو أعمُّ من العطف والفرقُ بيْن العَطْف في باب الفاء وبين الاتباع وان كان كلٌّ يعُود الى معنى الاتباع أنك اذا قلت ائْتِنى فأُكْرِمَك وزُرْنى فأَعرِفَ لك ذلك فانما وجب الثانى بوقُوع الأوّل وليس كذلك العطفُ وانما يذلُّك علَى أن الفاء موضُوعة للدِّلالة على الاتْباع استعمالُهم إيَّاها في جواب الشرطِ اذا لم يحسُن ارتباطه بالشرط وذَلك اذا كان الكلام جملةً من