من المكانِ كافا فيكونُ اشارةً الى المتنَحَّى منه كقولهم ذا اذا أشارُوا الى حاضِر فاذا أشاروا الى متَنَحٍّ زادُوا كافا للمخاطَب وجعلُوه علامةً لتَبَاعُد المشارِ اليه فقالوا ذاكَ قيل له قد فعَلُوا مثلَ هذا في الاشارة الى المكان فقالوا هُنَا ثم قالوا هُنَاك فدَلُّوا بزيادة الكاف على المكانِ المتنَحَّى المشارِ اليه ثم جعلُوا للمكان المُتباعد لفظا يَدُلُّ على صورتهِ على تباعُدِه فلم يحتاجُوا الى الكاف وهو قولُهم رأيتُه ثَمَّهْ فثَمَّه صورتُها تدلُّ على تَباعُد المكان فاذا قالوا رأيتُه هُنَاك دلت الكافُ على مثل ما دلَّتْ عليه ثَمَّهْ بغير كافٍ والدليل على ذلك أنهم لو نزَعُوا الكاف فقالوا رأيتُه هُنَا بغير كافٍ صارت الاشارةُ الى مكانٍ حاضِرٍ فقد علمت أن الكاف مع هنا بمنزلة ثَمَّ بصِيغتِها ويُدْخِلون اللامَ لتأكيدِ التباعُدِ فيقولُون هُنَالك كما يقولُون ذلكَ ولا فرق بينَهما في الاشارةِ غير أن هُنَالِك وبابَها اشارةٌ الى المكانِ وذلك إشارةٌ الى كل شئ فاعرِفْه إن شاء اللهُ
ومن ذلك الآن
وهى مبنِيَّةٌ على الفتْح* قال المُبرَد* الذى أوجَبَ البِنَاء أنها وقعَتْ في أولِ أحوالِها بالألف واللامِ وحُكمُ الأسماء أن تكونَ منكُورةً شائعةً في الجنس ثم يدخل عليها ما يُعَرِّفُها من إضافة أو ألِف ولام فخالفتِ الآنَ أخواتِها من الأسماء بأن وقَعْت معرفةً في أوّل أحوالِها ولَزِمت موضِعا واحِدا فبُنِيتْ لذلك هذا المعنى قاله أبو العباس أو نحوُه وأقول إن لزُومَها لهذا الموضِع في الأسماء قد ألحقَها بشبَه الحُروف وذلك أن الحروف لازمةٌ لمواضِعها التى وقَعَت فيها في أوّليَّتها غيرُ زائِلة عنها ولا بارِحةٍ منها واختارُوا الفتْحَ لأنه أخَفُّ الحركاتِ وأشكلُها بالألف وأتْبعوها الألفَ التى قبلَها كما أتبعُوا ضمةً الذال في مُنْذُ ضمةَ الميمِ وان كان حقُّ الذال أن تُكسَر لالتقاء الساكنيْنِ وقد يجوز أن يكونُوا أتبعوا فتحةَ النونِ فتحةَ الهمزةِ ولم يَحْفِلُوا بالألف كما لم يَحْفلوا بالنون التى بين الميم والذالِ في مُنْذُ وقد يجوز في فتحها وجهٌ آخرُ وهو ما ذكَرْنا من أمر الظُّروف المستَحِقَّة لبِناء أواخِرها على حركةٍ لالتقاء الساكنيْنِ كأَيْنَ وأيَّانَ وقد بُنِيَا على الفتح وأحدُهما من ظُروف الزمانِ والآخَرُ