من ظرُوف المكانِ وشاركتْهما الآنَ في الظرفِية وآخِرها مستَحِقٌّ للتحريكِ لالتقاء الساكنيْنِ ففُتحِ تشبيهًا بهما* ومعنى الآنَ أنه الزمانُ الذى كان يقَع فيه كلامُ المتكلِّم وهو الزمان الذى هو آخِرُ ما مضَى وأوّلُ ما يأتِى من الأزمنة* قال الفراء* فيه قولانِ أحدُهما أن أصله من قولك آنَ الشىءُ يَئِين ـ اذا أتَى وقتُه كقولك آنَ لك أن تفْعلَ وأنَى لكَ وأنَالَ لك أن تفعل ـ أى أنَى وقتُه وآخِرُ آنَ مفتوح لأنه فِعْلٌ ماضٍ فزعم الفراء أنهم أدخلُوا الألفَ واللامَ على آنَ وهو مفتوح فتركُوه على فتحِه كما يُرْوَى عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه نَهىَ عن قِيلَ وقالَ وقِيلَ وقالَ فِعْلان ماضِيانِ فأدخلَ عليهما الخافِضَ وتركَهُما على ما كانا عليه* والقول الثانى أن الأصل أوَانَ ثم حذَفُوا الواو فبقى آنَ كما قالوا رَيَاحٌ وراحٌ والذى قاله الفراء خطأ أعنى الوجهَ الاوّل من الوجهين لأن الألف واللامَ ان كانتا للتَّعْريفِ كدُخولهما في الرجُل فليس لَانَ الذى هو فِعْلٌ فاعلٌ وان كانتَا بمعنى الذى لم يجُز دُخولهما الا في ضرورةٍ كاليُجَدَّع فان قال قائِل يكونُ فيه ضميرُ المصدَر كما أُضْمِر في قِيلَ وقالَ فالجوابُ في ذلك أن ما يُحْكَى تدخُل عليه العوامِلُ ولا تدخُل عليه الألفُ واللامُ لأن العوامِلَ لا تغيِّر معانِىَ ما تدخُلُ عليه كتغييرِ الألف واللامِ ألا ترى أنا نقُول نصبْتا اسمَ إن بانّ ورفعنَا بكانَ ولا تقول نصبْناه بالانّ ورفَعْناه بالْكَانَ وأما ما شبَّهه به من نَهيه عليهالسلام عن قِيلَ وقالَ فغير مُشَبّه به لأنه حكايةٌ والحكاياتُ تدخُل عليها العواملُ فتُحْكَى ولا يدخُل عليها الألف واللامُ ألا ترى أنا نقول مرَرْت بتأبَّط شرًّا وبِبرَقَ نحْرُه ولا تقول هذا التَّأبَّطَ شرًّا وانما حُكِىَ قيِلَ وقالَ عِنْدى من قِبَل أن فيهما ضميرًا قدْ أُقِيم مُقامَ الفاعِل ومتى ورَدَ الفِعلُ ومعه فاعِلُه حُكِىَ لا غَيْرُ كما ذكرْنا في تأبَّط شَرًّا وبَرَقَ نَحْرُه وأمّا ما ذكره من الرَّاح والرَّيَاح وأن أصْلَه أوَانَ فليس ذلك تعليلا لِبنائِه على الفتح وانما كلامُنا في بِنائه ومن ذلك شَتَّانَ ومعناه بَعُدَ من الشَّتِّ ـ وهو التفرُّق والتَّباعُدُ يقال شَتَّانَ زيدٌ وعمرٌو وشَتَّان ما زيْدٌ وعمرٌو فمعناه تَباعَدَ وتفَرَّق أمرُهما قال الشاعر
شَتَّانَ هذا والعِنَاقُ والنَّوْمْ |
|
والمَشْرَبُ البارِدُ والظِّلُّ الدَّوْمْ |
ويروى ... في الظِّلّ الدَّوْم قال الاعشى