أن يقول هذا القول وقع من عمر على سبيل الكذب ، وصريح لفظه يشهد أنه ما قال عن نفسه إلا حقا ، ولولا ذلك ما فرق بين ما وقع منه في حياة نبيهم وبين ما وقع منه بعد وفاته، ولا قال لابن عباس من أجلك وأصحابك ، ولا يخفى على كل عاقل أن هذا الكلام يقتضي شهادة عمر على نفسه بأنه قد وقع منه بعد وفاة نبيهم من الأمور ما أوجب مثل هذا القول المذكور وهو أعرف بنفسه وسريرته ، فما ترك لأحد طريقا تزكيته ولا عذرا يحتج به في تصحيح خلافته.
مخالفة عمر للنبي " ص " ولأبي بكر
في جعله الخلافة شورى بين ستة
ومن طرائف الأمور أن عمر خليفتهم لما حضرته الوفاة يترك تدبير الله ورسوله على ما زعمت الأربعة المذاهب من أن اختيار الخلفاء إلى الأمة ، ويترك تدبير أبي بكر في نصبه بالخلافة ويختار هو ستة أنفس للخلافة ويقول إن رسول الله " ص " مات وهو عنهم راض ثم يذم كل واحد منهم بسبب من الأسباب ، وقد ذكر ذلك أصحاب التواريخ والعلماء.
ومع ذلك كله فإنه يلتفت إلى ما يشهد به من مدحهم وذمهم في مجلس واحد حتى يقول إن مضت ثلاثة أيام ولم يبايعوا واحدا منهم فاضربوا أعناقهم جميعا ، فتارة يشهد لهم بالجنة ، وتارة يشهد أن الله عنهم راض ، وتارة يعدلهم ذنوبا أو عيوبا ، وما تفكر في أنه إذا كان الله ورسوله راضيين عن عبد فلا يكون ذلك العبد مذموما ، وتارة يزيد عمر على ذمهم ويعرض عن شهادتهم بتزكيتهم ويأمر باستباحة دمائهم وقتلهم إن تأخرت البيعة ثلاثة أيام.
ولا ريب أنه قد كان يجوز في العقل أن يحدث بعد وفاته من الأعذار الصحيحة ما يقتضي جواز تأخير البيعة لأحدهم إلى بعد ثلاثة أيام ، بل كان