وقد روي في قراءة أبي «ثم عرضها» وفي قراءة عبد الله «ثم عرضهن» فهاتان القراءتان يليقان بالكناية عن الأسماء دون المسميات ، وليس هذا العرض والخطاب قبل خلقه تعالى جميع الخلق على ما تضمنه السؤال ، لأن الملائكة بلا شك قد كانت مخلوقة ، والخطاب معها كان في عرض هذه الأسماء ، وغير منكر أن يكون تعالى خلق أصول جميع الأجناس في تلك الحال ، حتى يليق ذلك بقوله تعالى (ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ).
والذي يشتبه من هذه الآيات ويجب الكلام عليه والتنقير عنه والإشارة إلى الصحيح منه موضعان :
أحدهما : أن يقال : كيف يأمر الملائكة ويكلفهم أن يخبروا بما لا يعلمون ، وهذا عندكم من تكليف ما لا يطاق بعينه ، أو جار مجراه في القبح.
والموضع الأخر : أن يقال : من أين علمت الملائكة لما أخبرها آدم عليهالسلام بتلك الأسماء صحة قوله؟ ومطابقة الأسماء المسميات؟ ولم تكن عالمة من قبل ، إذ لو كانت عالمة لأخبرت بالأسماء ولم تعترف بفقد العلم.
والجواب عن الأول : أن قوله تعالى (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) ان كان أمراً فهو متعلق بشرط ، وهو كونهم صادقين وعالمين بأنهم إذا أخبروا عن ذلك صدقوا ، وكأنه تعالى قال لهم : خبروا بذلك ان علمتموه. والتكليف على هذا الوجه بهذا الشرط صحيح حسن.
ويمكن أيضاً أن يكون قوله تعالى (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ) لا يأمر على الحقيقة وان كان له صورة الأمر ، ويكون المعنى فيه التقرير والتنبيه على الحجة.
ويكون تلخيص هذا الكلام : ان الله تعالى لما قال للملائكة (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) أي مطلع على ما لا تطلعون عليه.