يمنع من قيام الحجة علينا والازاحة لعلمنا ، فكيف يعلل بالمنع لنا بما يخش وتكلفنا بأن غيرنا كذب ولم يصدق وخالف ولم يجب ، وهذا بعيد من القول.
على أنه قد ادعى ظهور الاعلام عليه وفعل المعجزات على يده ، كالقرآن وغيره من مجيء الشجرة ، وتسبيح الحصى ، وحنين الجذع ، وإطعام الخلق الكثير حتى شبعوا ، وسقيهم حتى ارتووا من القليل من الطعام واليسير من الشراب ، فلو لم يمنع تكذيب الأولين إظهار ما ادعاه من الاعلام والمعجزات.
قيل لهم : الاعلام التي تظهر على أيدي الأنبياء والرسل ينقسم على ما يظهرها الله تعالى للدلالة على صدقهم حسب ما تقتضيه الحكمة والمصلحة وتوجبه إزاحة العلة كسائر الأدلة التي نصبها والتمكين من النظر فيها ، فالمخالف لها والمعادل عن التكليف الى ما تقترحه الأمم عمن بعث إليهم بعد إظهار ما تقتضيه الحكمة وتوجيه المصلحة من إزاحة العلة، فحكم الله وتعالى في التكذيب بها بعد إظهارها والعدول عن تصديقها المعاجلة ببعض ما يستحق عن العقاب.
فكان تقدير الكلام : وما منعنا أن نرسل بالآيات المقترحة الا أن كذب بها الأولون بتعجيل بعض ما يستحقونه من العقاب.
وقد وعدنا رسولنا وشرفنا بأمور :
منها أن تستأصل أمته ولا تعاجلها بالعقاب ، وقد ذكر الله تعالى ما اقترح على رسوله، فقال (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً) الى قوله (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً)(١).
__________________
(١) سورة الإسراء : ٩٠ ٩٢.