قيل له : ليس الأمر كما ظننت في دعائهم عليهمالسلام لو اجتهدوا في الدعاء والطلب وسألوا الله تعالى هلاك الأرض ومن عليها لأجيبوا ، بل كانوا عليهمالسلام عارفين بالدنيا وصغر قدرها بالإضافة الى ما أعد الله لهم في الآخرة ، فلم يكن لها عندهم محل ولا بشيء منها في نفوسم وزن.
وكيف لا يكونوا كذلك؟ مع علمهم بالله جل وعلا ، وما أعد لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب ، وأنهم من أشرف أوليائه الذين اجتباهم واصطفاهم ، وجعلهم الواسطة بينه وبين خلقه ، والأمناء عليهم ، والحفاظ لدينهم ، فهم القدوة ، وإليهم المفزع من سائر البشر ، وأن أعداءهم أعداء الله الذين لعنهم وغضب عليهم وأعد لهم أعظم العقاب وأشد العذاب.
فقلوبهم مملوة بالمعرفة لخالقهم ، وما يقرب اليه ويزلف لديه من الطاعة له والخوف من مخالفته ، والقيام بعباداته. ليس سوى ذلك فيها مكان ، ولا لغير ما يثمر الفوز والنجاة عليها مجال ، ولذلك وجب الحكم بعصمتهم ونزاهتهم وطهارتهم ، حتى قال تعالى فيهم ولقد اصطفيناهم (عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ)(١).
فإذا ثبت هذا من حالهم ، كان الدعاء منهم يحتمل أموراً :
منها : تعليم أممهم ورعاياهم كيف يدعون ويسألون إذا نابتهم النوائب ونزلت بهم الشدائد ، ولا يقصدون بذلك سوى تعليمهم والبيان لهم.
ومنها : الانقطاع الى الله تعالى والخضوع له ، كما ينقطع اليه من لا يستحق العقاب بالتوبة والاستغفار ، ويخضع له بذلك ، وكالدعاء لله تعالى بأن يحكم بالحق وان لم يكن مثله، لمكان اليقين أنه لا يحكم الا بالحق والقطع عليه ، كما لا يحسن المسألة له بأن يطلع الشمس ويغربها لمكان العلم بذلك والقطع
__________________
(١) سورة الدخان : ٣٢ ، والآية (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) إلخ.