وأما المحاربة : فإن كان الغرض في تكليفها أن يرجع القوم عن الباطل إلى جهة الحق ، فقد يجوز أو يعلم أو يغلب في الظن في أحوالهم أنه بذلك لا يرجعون ، فلا طائل اذن فيها.
وان كان الغرض في المحاربة ما يجب في جهاد الباغي على الامام الخارج عليه العادل عن طاعته ، فان ذلك كله انما يجب مع التمكين والقدرة والأنصار والأعوان ، ولم يكن شيء من ذلك في تلك الأحوال.
وهذا كاف في سقوط فرض المحاربة ، إلا أنا كنا نريد أن تصرحوا بأن العلة في الكف عن المحاربة الخوف من ارتداد القوم ، فيجب أن نعدل عن الجواب بغيره من أنه غير متمكن من ذلك انعقد (١) الناصر وما جرى مجرى ذلك.
فنقول : إذا كانت المحاربة انما يتكلف لوجوب الجهاد الباغي الشاق للعصى ، فقد يجوز أن نعلم أنها تؤدي الى فساد في الدين من ردة عنه أو ما أشبهها ، فيقبح استعمالها ، لأنها مفسدة ، وليس ذلك بموجب أن يكون نفس الإمامة هي المفسدة ، أو تدبير الإمام أمور الأمة وتعريفه لهم ، لأن المفسدة هاهنا منفصلة عن الإمامة نفسها ، وان عرضت في المجاهدة لمن خالف الإمام الذي هو مصلحة الأمة أما تدبير الامام يتم ، وذلك لا يتم الا بالنص عليه ، وإيجاب فرض طاعته ، والاستفساد الذي ذكرناه غير راجع الى شيء من ذلك، بل هو راجع الى المحاربة من بغى على الامام وخالف طاعته وإمامته ، وذلك منفصل عن نفس الإمامة.
وقد بينا الجهاد المارق عن الدين ومحاربة الباغي عن الإمامة ، انما يجب إذا لم يعرض فيها استفساد يسقط وجوبها بل قبحت ، ولا شيء من الواجبات الا ومتى
__________________
(١) ظ : لفقد.