قال أبو محمد : والقول في القدرة ، والقوّة ، كالقول في العلم سواء بسواء في اختلاف الناس على تلك الأقوال وتلك الحجج ولا فرق ، وقولنا في هذا هو ما قلناه هنالك من أنّ القدرة والقوّة حق لله تعالى ، وليستا غير الله تعالى ، ولا يقال هما الله تعالى. وقال تعالى : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [سورة الأنعام : ١٢] وقال تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [سورة آل عمران : ٢٨].
فنفس الله تعالى إخباره عنه لا عن شيء غيره أصلا ، فإن ذكر ذاكر قول الله عزوجل ، حكاية عن عيسى عليهالسلام أنه يقول لربه تعالى : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [سورة المائدة : ١١٦]. إنما معناه بلا شك : ولا أعلم ما عندك ، وما في علمك. وصح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنه أخبر «إن الله تعالى يتنزل في كل ليلة إذا بقي ثلث الليل إلى السماء الدنيا» (١).
قال أبو محمد : وهذا إنما هو فعل يفعله الله عزوجل في سماء الدنيا من الفتح لقبول الدعاء ، وأنّ تلك الساعة من مظانّ القبول والإجابة ، والمغفرة للمستغفرين ، والتائبين ، وهذا معهود في اللغة ، تقول : نزل فلان عن حقه بمعنى وهبه لي وتطول به علي. ومن البرهان على أنه صفة فعل لا صفة ذات أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم علّق التنزل المذكور بوقت محدود فصحّ أنه فعل محدث في ذلك الوقت ، مفعول حينئذ. وقد علمنا أنّ ما لم ينزل فليس متعلقا بزمان البتة. وقد بيّن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في بعض ألفاظ الحديث المذكور ـ ما ذلك الفعل المذكور ـ وهو أنّه ذكر عليهالسلام : أن الله عزوجل يأمر ملكا ينادي في ذلك الوقت بذلك. وأيضا فإن ثلث الليل مختلف في البلاد باختلاف المطالع والمغارب ، يعلم ذلك ضرورة من بحث عنه ، فصح ضرورة أنه فعل يفعله ربنا تعالى في ذلك لأهل كل أفق.
وأمّا من جعل ذلك نقلة فقد قدمنا بطلان قوله في إبطال القول بالجسم بعون الله وتأييده. ولو انتقل تعالى لكان محدودا ، مخلوقا ، مؤلفا ، شاغلا لمكان ، وهذه صفة المخلوقين ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
__________________
(١) روي هذا الحديث عن أبي هريرة وغيره. فرواه البخاري في التهجد باب ١٤. ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث ١٦٨ و ١٦٩ و ١٧٠. وأبو داود في السنّة باب ١٩. والترمذي في الصلاة باب ٢١١ ، والدعوات باب ٧٨. وابن ماجة في الإقامة باب ١٨٢. والدارمي في الصلاة باب ١٦٨. ومالك في القرآن حديث ٣٠. وأحمد في المسند (٢ / ٢٦٤ ، ٢٦٧ ، ٢٨٢ ، ٤١٩ ، ٤٨٧ ، ٥٠٤).