وقد حمد الله عزوجل لإبراهيم خليله ، ورسوله ، وعبده صلىاللهعليهوسلم ، إذ بيّن لقومه بنقلة القمر أنه ليس ربّا. قال تعالى : (فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ) [سورة الأنعام : ٧٦].
وكل منتقل عن مكان فهو آفل عنه. تعالى الله عن هذا. وكذلك القول في قوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) [سورة الفجر : ٢٢].
وقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ) [سورة البقرة : ٢١٠].
فهذا كله على ما بينا من أن المجيء والإتيان يوم القيامة فعل يفعله الله عزوجل في ذلك اليوم ، يسمّى ذلك الفعل مجيئا وإتيانا ، وقد روينا عن أحمد بن حنبل رحمهالله أنه قال : «وجاء ربّك» إنما معناه : وجاء أمر ربك.
قال أبو محمد : لا تعقل الصفة والصفات في اللغة التي بها نزل القرآن وفي سائر اللغات ، وفي وجود العقل ، وضرورة الحسّ ، إلّا أعراضا محمولة في الموصوف بها ، فإذا جوّزوها غير أعراض بخلاف المعهود فقد تحكّموا بلا دليل إذ إنما صاروا إلى مثل هذا فيما ورد به النص ، ولم يرد قط نصّ بلفظ الصفات ، ولا بلفظ الصفة ، فمن المحال أن يؤتى بلفظ لا نصّ فيه يعبّر به عن خلاف المعهود. وقال تعالى : (لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [سورة النحل : ٦٠].
ثم قال تعالى : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [سورة النحل : ٧٤]. فلو ذكروا الأمثال مكان الصفات لذكر الله تعالى لفظة المثل لكان أولى. ثم قد بيّن الله تعالى غاية البيان بأن قال : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ).
وقد أخبر تعالى : بأن له المثل الأعلى ، فصحّ ضرورة أنه لا يضرب له مثل إلا ما أخبر به تعالى فقط ، ولا يحل أن يزاد على ذلك شيء أصلا. وبالله تعالى التوفيق.