على الجبن ، والجبان لا يقدر على الشجاعة ، هكذا في جميع الأخلاق التي تكون عنها الأفعال ، فصح أن كل ذلك خلق الله ـ تعالى ـ لا يقدر المرء على إحالة شيء من ذلك أصلا ، حتى أن مخرج صوت أحدنا وصفة كلامه ، لا يقدر البتة على صرفه عن ما خلق عليه من الجهارة والخفاء ، أو الطيب أو السماحة ، وكذلك خطه لا يمكنه صرفه عما رتبه الله ـ عزوجل ـ عليه ولو جهد. وكذا جميع حركات المرء حتى وقع قدميه ومشيه ، فلو كان هو خالق كل ذلك لصرفه كما شاء. فإذ ليس فيه قوة على صرف شيء من ذلك عن هيئته فقد ثبت ضرورة أنه خلق الله ـ تعالى ـ فيمن نسب في اللغة إليه أنه فاعله ـ وبالله تعالى التوفيق.
قال أبو محمد : وأكثرت المعتزلة في التوليد وتحيّرت فيه حيرة شديدة.
فقالت طائفة : ما تولّد عن فعل المرء مثل القتل والألم المتولد عن رمي السهم ، وما أشبه ذلك فإنه فعل الله ـ عزوجل ـ.
وقال بعضهم : هو فعل الطبيعة.
وقال بعضهم : بل هو فعل الذي فعل ما عنه تولد.
وقال بعضهم : هو فعل لا فاعل له ..
وقال جميع أهل الحق : هو فعل الله عزوجل وهو خلقه.
والبرهان في ذلك هو البرهان الذي ذكرنا في خلق الأفعال من أن الله ـ تعالى ـ خالق كل شيء ـ وبالله تعالى التوفيق ـ.