ومن المحال الممتنع جملة أن يكون ممكنا أن يفعل الباري تعالى حينئذ شيئا ثم يمتنع منه فعله بعد ذلك ، لأن هذا يوجب إما تبدل طبيعة ، والله تعالى منزه عن ذلك ، وإما حدوث حكم عليه فيكون تعالى متعبدا وهذا هو الكفر السخيف نعوذ بالله منه.
فإن قالوا : لم يزل القبيح قبيحا في علم الله عزوجل ، ولم يزل الحسن حسنا في علمه تعالى ، قلنا : هبكم أن هذا كما قلتم ، فعليكم في هذا حكمان مبطلان لقولكم الفاسد ، أحدهما : أنكم جعلتم الحكم في ذلك لما في المعقول لا لما سبق في علم الله عزوجل ، فلم تجعلون المنع من فعل ما هو قبيح عندكم إلا لأن العقول قبّحته فأخطأتم في هذا الوجه.
والثاني : أنه تعالى أيضا لم يزل يعلم أن الذي يموت مؤمنا فإنه لا يكفر ، ولم يزل تعالى يعلم أن الذي يموت كافرا لا يؤمن ، فلو جوزتم قدرته على إحالة ما علم من ذلك وتبديله ، ولم تجوزوا قدرته تعالى على إحالة ما علم حسنا إلى القبح وإحالة ما علم قبيحا إلى الحسن ، ولا فرق بين الأمرين أصلا ...؟؟؟
فإذا ثبت ضرورة أنه لا قبيح لعينه ، ولا حسن لعينه البتة ، وأنه لا قبيح إلا ما حكم الله تعالى بأنه قبيح ، ولا حسن إلا ما حكم بأنه حسن ، ولا مزيد.
وأيضا فإن دعواكم أن القبيح لم يزل قبيحا في علم الله تعالى ما دليلكم على هذا؟ لعله تعالى لم يزل عليما بأن أمر كذا يكون حسنا برهة من الدهر ثم يقبحه فيصير قبيحا إذا قبّحه لا قبل ذلك كما فعل تعالى بجميع الملل المنسوخة ، وهذا أصحّ من قولكم لظهور براهين هذا القول وبالله التوفيق.
ولم يزل سبحانه وتعالى عليما أن عقد الكفر والقول به قبيح من العبد إذا فعلهما معتقدا لهما لأن الله قبحهما ، لا لأنهما حركة أو عرض في النفس ، وهذا هو الحق لظهور براهين هذا أيضا ، لا لأن ذلك قبيح لعينه.
ويقال لهم أيضا : أخبرونا من حسّن الحسن في العقول ، ومن قبح القبيح في العقول؟ فإن قالوا : الله عزوجل. قلنا لهم : أفكان تعالى قادرا على عكس تلك الرتبة إذ رتبها على أن يرتبها بخلاف ما رتبها عليه فيحسّن فيها القبيح ، ويقبّح فيها الحسن؟ فإن قالوا نعم أوجبوا أنه لم يقبح شيء إلا بعد أن حكم الله تعالى بقبحه ، ولم يحسن شيء إلا بعد أن حكم الله تعالى بحسنه ، وأنه كان له تعالى أن يفعل بخلاف ما فعل ، وله ذلك الآن وأبدا ، وبطل أن يكون تعالى متعبدا لنفسه وموجبا عليه ما يكون ظالما مذموما إن خالفه.