الإنية ، التي هي جواب السائل بهل فيما بيّنا السؤال بما هو ..؟
وأمّا الباري عزوجل فالسؤال عنه بما هو ..؟ هو السؤال بهل ، وهو والجواب في كليهما واحد. فنقول : هو حق واحد ، أحد ، أوّل ، لا يشبهه شيء من خلقه. وإنما اختلفت الإنية والماهية في غير الله تعالى لاختلاف الأعراض في المسئول عنه ، وليس الله تعالى كذلك ، ولا هو حامل أعراضا أصلا. هاهنا نقف ، ولا نعلم أكثر ، ولا هاهنا أيضا شيء غير هذا إلّا ما علّمنا ربنا تعالى من سائر أسمائه ، كالعليم والقدير ، والمؤمن ، والمهيمن ، وسائر أسمائه. وقد أخبر تعالى على لسان نبيه صلىاللهعليهوسلم : «أن له تسعة وتسعين اسما ، مائة غير واحد» (١).
وقال تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [سورة طه : ١١٠].
قال أبو محمد : وهذا كلام صحيح على ظاهره ، إذ كل ما أحاط به العلم فهو متناه محدود وهذا منفي عن الله عزوجل ، وواجب في غيره لوقوع العدد المحاط به في أعراض كل ما دونه تعالى ، ولا يحاط بما لا حدود له ، ولا عدد له ، فصحّ يقينا أننا نعلم الله عزوجل حقا ، ولا نحيط به علما ، كما قال تعالى.
قال أبو محمد : فالإنيّة في الله تعالى هي الماهية التي أنكرها أهل الجهل بحقائق القرآن والسنن. نحمد الله عزوجل على ما منّ به علينا من تيسيرنا لاتباع كلامه وتدبّره وطلب سنن نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم والوقوف عندهما ، ومعرفتنا بأنّ العقل لا يحكم به على خالقه ، لكن نفهم به أوامره تعالى ، ونميز به حقائق ما خلق فقط ، وما توفيقنا إلّا بالله.
وأما قولهم : لو كانت له ماهية لكانت له كيفية ، فكلام قوم جهال بالحقائق ، وقد بيّنا وبان لكل ذي عقل أنّ السؤال بما هو الشيء؟ غير السؤال بكيف هو الشيء؟ وأن المسئول عنه بإحدى اللفظتين المذكورتين ، غير المسئول عنه بالأخرى. وأن الجواب عن إحداهما غير الجواب عن الأخرى.
وبيان ذلك : أن السؤال بما هو الشيء ...؟ إنما هو سؤال عن ذاته واسمه. وأن السؤال بكيف ...؟ إنما هو سؤال عن حاله وأعراضه. وهذا لا يجوز أن يوصف به الباري تعالى ، فلاح الفرق ظاهرا. وبالله تعالى التوفيق.
__________________
(١) تقدم تخريجه قبل صفحات.