أنكر وأقر ربه على أصله الفاسد بالظلم والعبث ، وبالضرورة ندري أن من رأى طفلا في نار أو ماء وهو قادر على استنقاذه بلا مئونة ولم يفعل فهو عابث ظالم ، ولكن الله تعالى يفعل ذلك وهو الحكيم العدل في حكمه لا العابث ولا الظالم ، وهذا هو الذي أعظموا من أن يكون قادرا على هدى الكفار ولا يفعل. ولجأ بعضهم إلى أن قال : لو عاش هذا الطفل لكان طاغيا. قلنا لهم : لم نسألكم بعد عن من مات طفلا ، إنما سألناكم عن إيلامه قبل بلوغه. ثم نجيبهم عن قولهم فيمن مات من الأطفال أنه لو عاش لكان طاغيا ، فنقول لهم : هذا أشدّ في الظلم أن يعذبه على ما لم يفعل بعد.
قال أبو محمد : ووجدنا الله عزوجل قد حرم ذبح بعض الحيوان وأكله ، وأباح ذبح بعضه ، وأوجب ذبح بعضه إذا نذر الناذر ذبحه قربانا ، فنقول للمعتزلة : أخبرونا ما كان ذنب الذي أبيح ذبحه وسلخه وطبخه بالنار وأكله ، أو ما كان ذنب الذي حرم كل ذلك فيه حتى حرم العوض الذي تدعونه ، أو ما كان بخت الذي حرم إيلامه. ووجدناه عزوجل قد أباح ذبح صغار الحيوان مع ما يحدث لأمهاتها من الحنين والوله كالإبل والبقر ، فأيّ فرق بين ذبحها لمصالحنا أو لتعوض هي وبين ما حرم من ذبح أطفالنا وصغار أولاد أعدائنا لمصالحنا أو ليعوضوا ، وإن طردوا دعواهم في المصلحة لربهم أن كل من له مصلحة في قتل غيره كان له قتله ، فإن قالوا لا يجوز ذلك إلا حيث أباحه الله عزوجل تركوا قولهم ووفقوا للحق.
قال أبو محمد : ووجدناه تعالى قد حرم قتل قوم مشركين يجعلون له الصاحبة والولد ويهود ومجوس إذا أعطونا دينارا أو أربعة دنانير في العام وهم يكفرون بالله تعالى ، وأباح قتل مسلم فاضل قد تاب وأصلح لزنى سلف منه وهو محصن ، ولم يبح لنا استبقاء مشركي العرب من عبّاد الأوثان إلا بأن يسلموا ولا بد. فأيّ فرق بين هؤلاء الكفار وبين الكفار الذين افترض علينا إبقاءهم لذهيبة نأخذها منهم في العام.
قال أبو محمد : وقالوا لنا هل في أفعال الله تعالى عبث وضلال ونقص ومذموم؟
فجوابنا وبالله تعالى التوفيق : أمّا أن يكون في أفعاله تعالى عبث يوصف به أو عيب يضاف إليه أو ضلال يوصف به أو نقص له أو جور منه أو ظلم منه أو مذموم منه ، فلا يكون ذلك أصلا ، بل كل أفعاله عدل وحكمة وخير وصواب منه ، وكلها حسن منه تعالى ومحمود منه ، ولكن فيها عيب على من ظهر منه ذلك الفعل وعبث منه وضلال منه وظلم منه ومذموم منه.
ثم نسألهم فنقول لهم : هل في أفعاله تعالى سخف وجنون وحمق وفضائح