النظام ، فأنهما قالا : إن أرواح الأطفال وأرواح الحيوان كانت في أجساد قوم عصاة فعوقبت بأن ركبت في أجساد الأطفال والحيوان لتؤلم عقوبة لها.
قال أبو محمد : ومن هرب عن الإذعان للحق أو عن الإقرار بالانقطاع إلى الكفر والخروج عن الإسلام فقد بلغ إلى حالة ما كنّا نريد أن يبلغها ، لكن إذا آثر الكفر فإلى لعنة الله وحرّ سعيره ، ونعوذ بالله من الخذلان ، وإنما كلامنا هذا مع من يتقي مخالفة أهل الإسلام ، فأما أهل الكفر فقد تمّ و ـ لله الحمد ـ إبطالنا لقولهم ، وقد أبطلنا قول أصحاب التناسخ في صدر كتابنا هذا والحمد لله ، فأغنى عن إعادته ، وإذا بلغ خصمنا إلى مكابرة الحسّ أو إلى مفارقة الإسلام فقد انقطع وظهر باطل قوله ، ولله تعالى الحمد.
قال أبو محمد : فإن لجئوا إلى قول معمّر (١) والجاحظ ، وقالوا إن آلام الأطفال هي فعل الطبيعية لا فعل الله تعالى لم يتخلصوا بذلك من الانقطاع ، بل نقول لهم : هل الله عزوجل قادر على معارضة هذه الطبيعة المقطّعة لحم هذا الصبي بالجدري والأكلة والخنازير المعذّبة له بالحصاة واحتباس البول أو الغائط أو انطلاق البطن حتى يموت ، والعدوّ القاسي القلب يرحمه وتنقطع له نفسه لعظيم ما يرى به من التضور والأوجاع ، بقوة من عنده تعالى يفرج بها عن هذا الطفل المسكين المعذب ، أم هو تعالى غير قادر على ذلك؟
فإن قالوا هو غير قادر على ذلك ، فما في العالم أعجز ممن تغلبه طبيعة هو خلقها وطبعها ووضعها في من هي فيه وربما غلبها طبيب ضعيف من خلقه بعقار ضعيف من خلقه ، فهل في الجنون والكفر أكبر من هذا القول ، أن يكون هو خلق الطبيعة ووضعها في من هي فيه ثم لا يقدر على كفّ عملها الذي هو وضعها فيه.
وإن قالوا : بل هو قادر على صرف الطبيعة وكفّها ولم يفعل دخل في نفس ما
__________________
السلام ، فيا عجبا من فرع يخلق أصله. ومن عدّ هذين الضالّين من فرق الإسلام كمن عدّ النصارى من فرق الإسلام».
(١) هو أبو المعتمر معمّر بن عمرو ، وقيل : ابن عبّاد ، البصري السلمي مولاهم العطار المعتزلي. كان يقول : في العالم أشياء موجودة لا نهاية لها ولا لها عند الله عدد ولا مقدار. وكان يزعم أن الله لم يخلق لونا ولا طولا ولا عرضا ولا عمقا ولا رائحة ولا حسنا ولا قبحا ولا سمعا ولا بصرا ، بل ذلك فعل الأجسام بطباعها. وكان بينه وبين النظّام مناظرات ومنازعات ، وله تصانيف في الكلام. توفي فيما ورّخه محمد بن إسحاق النديم سنة ٢١٥ ه. انظر سير أعلام النبلاء (١٠ / ٥٤٦) والفهرست للنديم (ص ٢٠٧) وطبقات المعتزلة (٥٤ ـ ٥٦).