قال أبو محمد : وإذ قد بلغوا هاهنا فقد قرب أمرهم بعون الله تعالى ، وهو أنه يلزمهم تصديق من يقول لهم : ولله تعالى في تكليف من لا يستطيع ثم تعذيبه عليه سرّ من الحكمة نوقن به ولا نعلمه.
قال أبو محمد : وأما نحن فلا نقول بهذا ، بل نقول إنه لاسرها هنا أصلا ، بل كل ذلك كما هو عدل من الله عزوجل لا من غيره ، ولله الحجة البالغة لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
قال أبو محمد : ولجأت طائفتان منهم إلى أمرين. إحداهما : قول بكر (١) ابن أخت عبد الواحد بن زيد فإنه قال : إن الأطفال لا يألمون البتة.
قال أبو محمد : ولا ندري لعله يقول مثل ذلك في الحيوان.
قال أبو محمد : وهذا انقطاع سمج ولجاج في الباطل قبيح ودفع للعيان والحس ، وكل أحد منا قد كان صغيرا ونوقن أننا كنا نألم الألم الشديد الذي لا طاقة لنا بالصبر عليه.
والثانية أحمد بن خابط (٢) البصري وفضل الحدثي ، (٣) وكلاهما من تلاميذ
__________________
(١) هو بكر بن زياد الباهلي كان يضع الحديث عن ابن المبارك. انظر ميزان الاعتدال (١ / ٣٤٥).
(٢) أحمد بن خابط رأس الفرقة الخابطية من القدرية ، وكان من أصحاب النظام في الاعتزال (الفرق بين الفرق : ص ٢٠٨).
(٣) فضل الحدثي : منسوب إلى الحديثة ، وهي بلدة على شاطئ الفرات. كان ملحدا زنديقا ، وكان من أصحاب النظام ثم هجره النظام وطرده. انظر شرح العقيدة للسفاريني (١ / ٧٩). وقال البغدادي في الفرق بين الفرق (ص ٢٠٨ ، ٢٠٩) : «... وذلك أن ابن خابط وفضلا الحدثي زعما أن للخلق وبين وخالقين ، أحدهما قديم وهو الله سبحانه ، والآخر مخلوق وهو عيسى ابن مريم. وزعما أن المسيح ابن الله على معنى دون الولادة ، وزعما أيضا أن المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة ، وهو الذي عناه الله بقوله : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) وهو الذي يأتي (فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) وهو الذي خلق آدم على صورة نفسه ، وذلك تأويل ما روي أن الله تعالى خلق آدم على صورته ، وزعما أنه هو الذي عناه النبي صلىاللهعليهوسلم بقوله : ترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر. وهو الذي عناه بقوله : إن الله تعالى خلق العقل فقال له : أقبل! فأقبل ، وقال له : أدبر! فأدبر فقال : ما خلقت خلقا أكرم بك ، وبك أعطي وبك آخذ. وقالا : إن المسيح تدرّع جسدا وكان قبل التدرّع عقلا. وقد شارك هذان الكافران الثنوية والمجوس في دعوى خالقين ، وقولهما شرّ من قولهم ، لأن الثنوية والمجوس أضافوا اختراع جميع الخيرات إلى الله تعالى ، وإنما أضافوا فعل الشرور إلى الظلمة وإلى الشيطان ، وأضاف ابن خابط وفضل الحدثي فعل الخيرات كلها إلى عيسى ابن مريم ، وأضافا إليه محاسبة الخلق في الآخرة. والعجب في قولهما أن عيسى خلق جدّه آدم عليه