قال أبو محمد : وقال أصحاب الأصلح منهم إن من علم الله تعالى أنه يؤمن من الأطفال إن عاش أو يسلم من الكفار إن عاش أو يتوب من الفساق إن عاش ، فإنه لا يجوز البتة أن يميته الله قبل ذلك قالوا وكذلك من علم الله تعالى أنه إن عاش فعل خيرا فلا يجوز البتة أن يميته الله قبل فعله.
قالوا : ولا يميت الله تعالى أحدا إلّا وهو يدري أنه إن أبقاه طرفة عين فما زاد فإنه لا يفعل شيئا من الخير أصلا بل يكفر أو يفسق ، ولا بدّ.
قال أبو محمد : وهذا من طوامهم التي جمعت الكفر والسخف ولم ينفكوا بها مما فرّوا عنه من تجوير الباري عزوجل بزعمهم ، وأما الكفر فإنه يلزمهم بقولهم إن إبراهيم ابن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لو بلغ لكفر أو فسق ، وليت شعري إذ هذا عندهم كما زعموا فلم أمات بعضهم إثر ولادته ثم آخر بعد ساعة ثم يوم ثم يومين وهكذا شهرا بعد شهر وعاما بعد عام إلى أن أمات بعضهم قبل بلوغه بيسير؟ وكلهم عندهم سواء في أنهم لو عاشوا لكفروا أو فسقوا كلهم وإذ عني بهم هذه العناية فلم أبقى من الأطفال من درى أنه يكفر ويفسق؟ نعم ويؤتيهم القوى والتدقيق في الفهم كالفيومي سعيد بن يوسف والمعمس داود بن قزوان وإبراهيم البغدادي وأبي كثير الطبراني من متكلمي اليهود ، وأبي ريطة اليعقوبي ومقرونيش الملكي من متكلمي النصارى ، ومرزان بخت المناني. حتى أضلوا كثيرا بشبههم وتمويهاتهم ومخارقهم ولا سبيل إلى وجود فرق أصلا ، وهذه محاباة وجور على أصولهم. ثم نجده تعالى قد عذّب بعض هؤلاء الأطفال باليتم والقمل والعري والبرد والجوع وسوء المرقد والعمى والبطلان والأوجاع حتى يموتوا كذلك وبعضهم مرفّه مخدوم منعم حتى يموت كذلك ولعلهما لأب وأم وكذلك يلزمهم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وسائر الصحابة رضي الله عنهم نعم ومحمدا صلىاللهعليهوسلم وموسى وعيسى وإبراهيم وسائر الرسل عليهم الصلاة والسلام أن كل واحد منهم لو عاش طرفة عين فجاء الوقت الذي مات فيه لكفر أو فسق ولزمهم مثل هذا في جبريل وميكائيل وحملة العرش عليهمالسلام ، إن كانوا يقولون بأنهم يموتون ؛ فإن تمادوا على هذا كفروا وقد صرح بعضهم بذلك جهارا ، وإن أبوا تناقضوا ولزمهم أن الله تعالى يميت من يدري أنه يزداد خيرا ، ويبقي من يدري أنه يكفر وهذا عنده على أصولهم عين الظلم والعبث.
قال أبو محمد : وأجاب بعضهم في بدء السؤال بأن قال إنّ النبي صلىاللهعليهوسلم امتحنه الله عزوجل قبل موته بما بلغ ثوابه على طاعته فيه مبلغ ثوابه على كل طاعة تكون منه لو عاش إلى يوم القيامة.