قال أبو محمد : ونسألهم أيقدر الله تعالى على ما لو فعله لكفر الناس كلهم ..؟ فإن قالوا لا. لحقوا بعليّ الأسواري وهم لا يقولون بهذا ولو قالوه لأكذبهم الله تعالى إذ يقول : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) [سورة الشورى : ٢٧].
وبقوله تعالى : (وَلَوْ لا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ) [سورة الزخرف : ٣٣]
وإن قالوا : نعم هو قادر على ذلك قلنا لهم فقد قطعتم بأنه تعالى يقدر على الشر ولا يقدر على الخير هذه مصيبة على أصولهم ولزمهم أيضا فساد أصلهم في قولهم إن من قدر على شيء قدر على ضده ولأنهم يقولون إن الله تعالى يقدر على ما يكفر الناس كلهم عنده ولا يقدر على ما يؤمن جميعهم عنده.
قال أبو محمد : ونسأل من قال منهم إنه تعالى يقدر على مثل ما فعل من الصلاح بلا نهاية لا على أكثر من ذلك فنقول لهم : إن على أصولكم لم تنفكوا من تجوير الباري جر وعز لأن بضرورة الحس ندري أنه إذا استضافت المصالح بعضها إلى بعض كانت أصلح من انفراد كل مصلحة عن الأخرى فإن هو قادر عندكم على ذلك ولم يفعله بعباده فقد لزمه ما ألزمتموه لو كان قادرا على أصلح مما فعل ولم يفعله. فقالوا : هذا كالدواء والطعام والشراب لكل ذلك مقدار فقد يصلح به من أعطيه فإذا استضافت إليه أمثاله كان ضررا.
قال أبو محمد رضي الله عنه : ولم يقل قط ذو عقل ومعرفة بحقائق الأمور إن دواء كذا مصلحة جملة وعلى كل حال ، ولا أن الأكل مصلحة أبدا وعلى الجملة ، ولا أن الشراب مصلحة بكل وجه أبدا وإنما الحق أن مقدارا من الدواء مصلحة لعله كذا فقط فإن زاد أو نقص أو تعدى تلك العلة كان ضررا وكذلك الطعام والشراب هما مصلحة في حال ما وبقدر ما فما زاد أو تعدّى به وقته كان ضررا ، وما نقص عن الكفاية كان ضررا ؛ وليس إطلاق اسم الصلاح في شيء من ذلك أولى من إطلاق اسم الضرر لأن كلا الأمرين موجود في كل ذلك كما ذكرنا وليس الصلاح من الله عزوجل للعبد والهدى له والخير من فعله عزوجل كذلك بل على الإطلاق والجملة وعلى كل حال بل كلما زاد الصلاح وكثر وزاد الهدى وكثر وزاد الخير وكثر فهو أفضل. فإن قالوا : نجد الصلاة والصيام إثما في وقت ما وأجرا في الآخرة.
قلنا : ما كان من هذا منهيا عنه فليس صلاحا البتة ولا هو هدى ولا خير بل هو إثم وخذلان وضلال وليس في هذا كلمناكم لكن فيما هو صلاح حقيقة وهدى حقيقة وخير حقيقة ، وهذا ما لا مخلص لهم منه.