فيما بيننا من يحابي أحد عبيده على الآخر فيجعل أحدهم مشرفا على ماله وعياله وحاضنا لولده فيريضه لذلك من صغره بأن يعلمه الكتاب والحساب ويجعل الآخر رائضا لدابته وجامعا للزبل لبستانه ومنقيا لحشّه (١) ويريضه لذلك من صغره وكذلك الإماء فيجعل إحداهن محلّ إزاره (٢) ومطلبا لولده ، ويجعل الثانية خادما لهذه في الطبخ والغسل وهذا عدل بإجماع المسلمين كلهم فلم أنكروا أن يحابي الباري عزوجل من شاء من عباده بما أحب من التفضيل؟ ووجودا في الشاهد من يعطي المجاويع من ماله فيعطي أحدهم ما يغنيه ويخرجه عن الفقر وذلك نحو ألف دينار ، ثم يعطي آخر مثله ألف دينار ويزيده ألف دينار فإنه وإن حابى فمحسن غير ملوم فلم منعوا ربهم من ذلك وجوروه إذا فعله؟ وهو تعالى بلا شك أتم ملكا لكل ما في العالم من أحدنا لما خوّله عزوجل من الأملاك ونقضوا أصلهم في أن ما حسن في الشاهد بوجه من الوجوه لم يمنعوا وقوعه من الباري عزوجل ووجدوا في الشاهد من يدخر أموالا عظيمة فيؤوي جميع الحقوق اللازمة له حتى لا يبقى بحضرته محتاج ثم يمنع سائر ذلك فلا يسمى بخيلا. فلأي شيء منعوا ربهم جل وعز من مثل ذلك وجوّروه وبخّلوه إذا لم يعط أفضل ما عنده؟ وهذا كله بيّن لا إشكال فيه.
قال أبو محمد : ونسألهم عن قول لهم عجيب وهو أنهم أجازوا أن يخلق الله عزوجل أضعف الأشياء ثم لا يكون قادرا على أضعف منه فهكذا هو قادر فاعل أصلح الأشياء ثم لا يكون قادرا على أصلح منه ، وعلى أصغر الأشياء وهو الجزء الذي لا يتجزأ ولا يقدر على أصغر منه.
قال أبو محمد : هذا إيجاب منهم لتناهي قدرة الله عزوجل وتعجيز له تعالى وإيجاب بحدوثه وإبطال إلهيته ، إذ التناهي في القوة صفة المحدث المخلوق ، لا صفة الخالق الذي لم يزل ؛ وهذا خلاف القرآن وإجماع المسلمين وتشبيه الله تعالى بخلقه في تناهي قدرتهم.
قال أبو محمد : ولكنه لازم لكل من قال بالجزء الذي لا يتجزأ وبالقياس لزوما صحيحا لا انفكاك لهم منه ونعوذ بالله من هذه المقالات المهلكة بل نقول : إن الله تعالى خلق كل ما خلق شيئا صغيرا أو ضعيفا أو كبيرا أو قويا أو مصلحة فإنه أبدا بلا نهاية قادر على خلق أصغر منه وأضعف وأقوى وأصلح.
__________________
(١) الحش (بفتح الماء ، وتضم) : البستان ، والكنيف ، والمتوضّأ (المعجم الوسيط : ص ١٧٦).
(٢) كناية عن نكاحها.