قال أبو محمد : وقال بعضهم : قد يخرج من صلبه مؤمنون.
قال أبو محمد : وقد يموت الكافر عن غير عقب وقد يلد الكافر كفارا أضرّ على الإسلام منه ومع هذا فكل ما ذكرنا يلزم في هذا الجواب السخيف وأيضا فقد يخرج من صلب المؤمن كافر طاغ وظالم باغ يفسد الحرث والنسل ، ويثير الظلم ، ويميت الحق ، ويؤسس الضلالات والمنكرات حتى يضل بها خلق كثير حتى يظنوا أنها حق وسنّة فأيّ وجه لخلق هؤلاء على أصول المعتزلة الضّلّال؟ نعم وأيّ معنى وأي صلاح في خلق إبليس ومردة الشياطين وإعطائهم القوة على إضلال الناس في الحكمة المعهودة بيننا؟ وبالضرورة نعلم أن من نصب المصايد للناس في الطرقات وطرح الشّوك في ممشاهم فإنه عابث سفيه فيما بيننا والله تعالى خلق كل ما ذكرنا بإقرارهم وهو الحكيم العليم ، ثم وجدناه تعالى قد شهد للذين بايعوا تحت الشجرة بأنه علم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم ، ثم أمات من ولي منهم أمور المسلمين سريعا ، ووهّن قوى بعضهم ، وملك عليهم زيادا والحجاج وبغاة الخوارج. فأيّ مصلحة في هذا للحجاج ، ولقطريّ (١) أو لسائر المسلمين لو عقلت المعتزلة؟ ولكن الحق هو قولنا وهو أن كل ذلك عدل من الله وحق وحكمة وهلاك ودمار وإضلال للحجاج المسلط ، ولقطري ونظائرهما أراد الله تعالى بذلك هلاكهم في الآخرة ونعوذ بالله من الخذلان. ثم نسألهم : ما ذا تقولون إذ أمر عزوجل بجلد الحرة في الزنا مائة وجلد الأمة نصف ذلك أليس هذا محاباة للأمة؟ وإذ خوّل الله عزوجل قوما أموالا جمة فماتوا فيها وحرم آخرين أما هذا عين المحاباة والجور على أصلهم الفاسد في من منع جاره الفقير؟ إلا أن يطردوا قولهم فيصيروا إلى قول من ذكره أن الواجب تساوي الناس في الأموال والنشأة على السواء وبالجملة فإن القوم يدعون نفي التشبيه ويكفرون من شبه الله بخلقه ، ثم لا نعلم أحدا أشد تشبيها لله تعالى بخلقه منهم فيلزمونه الحكم ويحرمون عليه الأمر والنهي ويشبهونه بخلقه تعالى فيما يحسن منه ويقبح ثم نقضوا أصولهم إذ من قولهم أن ما صلح بيننا بوجه من الوجوه فلسنا نبعده عن الباري تعالى ونحن نجد
__________________
(١) هو رأس الخوارج قطريّ بن الفجاءة التميمي المازني. جهّز إليه الحجّاج جيشا بعد جيش فكسرهم ، وغلب على بلاد فارس. وبقي قطري يحارب نيف عشرة سنة ، ويسلّم عليه بالخلافة إلى أن سار لحربه سفيان بن الأبرد الكلبي فانتصر عليه وقتله وحمل رأسه سنة تسع وتسعين إلى الحجاج. انظر ترجمته في البيان والتبيين (١ / ٣٤١) والمعارف (ص ٤١١) والأخبار الطوال (ص ١٨٠) والكامل للمبرد (٣ / ٣٥٥) ووفيات الأعيان (٤ / ٩٣) وسير أعلام النبلاء (٤ / ١٥١) والنجوم الزاهرة (١ / ١٩٧) وشذرات الذهب (١ / ٨٦) وتاج العروس (مادة قطر) وغيرها.