وكانوا في حال الغنى صالحين وأصحّ أقواما وجمّل صورهم فكان ذلك سببا لكون المعاصي منهم وتركوها إذ أسنّوا وأمرض أقواما فتركوا الصلاة عمدا وضجروا وتبرموا فتكلموا بما هو الكفر أو قريب منه وكانوا في صحتهم شاكرين لله يصلون ويصومون أهذا الذي فعل الله بهم كان أصلح لهم؟
فإن قالوا نعم كابروا الحواس. وإن قالوا لو عاشوا لزادوا كفرا. قلنا لهم فإنما كان أصلح لهم أن يخترمهم الله عزوجل قبل البلوغ أو أن يطيل أعمارهم ويملكهم الجيوش فيهلكوا بها أرض الإسلام ويقوي أجسادهم وأذهانهم فيضل بهم جماعة كما فعل بجيش الفيومي اليهودي وأبي ريطة اليعقوبي النصراني والمحققين بالكلام من اليهود والنصارى والمجوس والمنانية والدهرية أما كان أصلح لهم ولمن ضل منهم أن يميتهم صغارا؟! قال أبو محمد : فانقطعوا فلجأ بعضهم إلى أن قال لعله قد سبق في علم الله تعالى أنه لو أماتهم صغارا لكفر خلق من المؤمنين.
قال أبو محمد : وفي هذا الجواب من السخافة وجوه جمة.
أولها : أنه دعوى بلا دليل.
والثاني : أنهم لم ينفكوا به مما ألزمناهم. ونقول لهم : أكان الله عزوجل قادرا على أن يميتهم ولا يوجب موتهم كفر أحد؟ فإن قالوا : لا ، عجّزوا ربهم تعالى.
وإن قالوا : بل كان قادرا على ذلك ألزموه الجور والظلم على أصولهم ولا بدّ من أحد الأمرين.
والثالث : ما سمع في العالم بأسخف من قول من قال إن إنسانا مؤمنا يكفر من أجل صغير مات فهذا أمر ما شوهد قط في العالم ولا توهم ولا يدخل في الإمكان ولا في العقل وكم طفل يموت كل يوم مذ خلق الله تعالى الدنيا إلى يوم القيامة فهل كفر أحد قط من أجل موت ذلك الطفل؟ وإنما عهدنا الناس يكفرون عند ما يقع لهم من الغضب الذي يخلقه الله عزوجل في طبائعهم وبالغضبة التي آتاهم الله عزوجل أسبابها ، وبذلك الذي آتاهم الله إياه إذا عرضهم فيه عارض.
والرابع : أنه ليس في الجور ولا في العبث ولا في الظلم ولا في المحاباة أعظم من أن يبقي طفلا يكفر فيستحق الخلود في النار ولا يميته طفلا فينجو من النار من أجل صلاح قوم لو لا كفر هذا المنحوس لكفر أولئك وما في الظلم والمحاباة أقبح من هذا. هل هذا إلا كمن وقف إنسانا للقتل فأخذ هو آخر من عرض الطريق فقتله مكانه؟ فظهر فساد هذا القول السخيف الملعون.