قال أبو محمد : ومما سئلوا عنه أنه قيل لهم أليس قد علم تعالى أن فرعون والكفار إن أعاشهم كفروا؟ فمن قولهم نعم. فيقال لهم : فلم أبقاهم حتى كفروا واخترم على قولكم من علم أنه إن عاش كفر؟ وهذا تخليط لا يعقل. ونقول لهم أيضا : أيّما كان أصلح للجميع لا سيما لأهل النار خاصة أن يخلقنا الله تعالى كلنا في الجنة كما فعل بالملائكة وحور العين أم ما فعل بنا من خلقنا في الدنيا والتعريض للبلاء فيها وللخلود في النار.
قال أبو محمد : ولجوا عند هذه فقال بعضهم لم يخلق الجنة بعد. فقلنا لهم هبكم أن الأمر كما قلتم فإنما كان أصلح للجميع أن يعجّل الله عزوجل خلقها ثم يخلقنا فيها أو يؤخر خلقنا حتى يخلقها ثم يجعلنا فيها أم خلقه لنا حيث خلقنا؟ فإن عجّزوا ربهم جعلوه ذا طبيعة متناهي القدرة ومشبها لخلقه وأبطلوا إلاهيته وجعلوه مخيرا ضعيفا وهذا كفر مجرد ، وبقي السؤال أيضا مع ذلك بحسبه في أن يجعلنا كالملائكة وأن يجعلنا كلنا أنبياء كما فعل بعيسى ويحيى عليهماالسلام وسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟
وقال بعضهم : ليس جهلنا بوجه المصلحة في ذلك ممّا يخرج هذا الأمر عن الحكمة. فقلنا لهم : فاقنعوا بمثل هذا بعينه فيمن قال لكم ليس جهلنا بوجه المصلحة والحكمة في خلق الله تعالى لأفعال عباده وفي تكليفه الكافر والفاسق ما لا يطيق ثم تعذيبهما على ذلك مما يخرجه عن الحكمة وهذا لا مخلص لهم منه.
قال أبو محمد : وأما نحن فلا نرضى بهذا بل ما جهلنا ذلك لكن نقطع على أن كل ما فعله الله تعالى فهو عين الحكمة والعدل وأن من أراد إجراء أفعاله تعالى على الحكمة المعهودة بيننا والعدل المعهود بيننا فقد ألحد وأخطأ وضلّ وشبّه الله عزوجل بخلقه لأن الحكمة والعدل بيننا إنما هي طاعة الله عزوجل فقط ولا حكمة ولا عدل غير ذلك إلا ما أمرنا به أي شيء كان فقط وأما الله تعالى فلا طاعة لأحد عليه فبطل أن تكون أفعاله جارية على أحكام العبيد المأمورين المربوبين المسئولين عما يفعلون لكن أفعاله تعالى جارية على العزة والقدرة والجبروت والكبرياء والتسليم له وألا يسأل عما يفعل ولا مزيد كما قال تعالى ، وقد خاب من خالف ما قاله الله عزوجل ومع هذا كله فلم يتخلّصوا من رجوع وجوب التجوير والعبث على أصولهم على ربهم تعالى عن ذلك.
وقال متكلموهم : لو خلقنا في الجنة لم نعلم مقدار النعمة علينا في ذلك وكنا