أيضا نكون غير مستحقين لذلك النعيم بعمل عملناه وإدخالنا الجنة بعد استحقاقنا لها أتم في النعمة وأبلغ في اللذة. وأيضا فلو خلقنا في الجنة لم يكن بدّ من التوعد على ما حظر علينا وليست الجنة دار توعد وأيضا فإن الله تعالى قد علم أن بعضهم كان يكفر فيجب عليه الخروج من الجنة.
قال الإمام أبو محمد رضي الله عنه : هذا كل ما قدروا عليه من السخف وهذا كله عائد عليهم بحول الله تعالى وقوته وعونه لنا فنقول وبالله تعالى التوفيق : وأما قولهم لو خلقنا في الجنة لم نعلم مقدار النعمة علينا في ذلك فإننا نقول وبالله تعالى نتأيد أكان الله تعالى قادرا على أن يخلقنا فيها ويخلق فينا قوة وطبيعة نعلم بها قدر النعمة علينا في ذلك أكثر من علمنا بذلك بعد دخولنا فيها يوم القيامة أو يعلمنا ذلك أم كان غير قادر على ذلك ...؟
فإن قالوا : كان غير قادر على ذلك عجّزوا ربهم تعالى وجعلوا قوته متناهية يقدر على أمر ما ولا يقدر على غيره وهذا لا يكون إلا لعرض داخل أو لبنية متناهية القوة وهذا كفر مجرد.
وإن قالوا : كان الله قادرا على ذلك أقروا بأنه عزوجل لم يفعل بهم أصلح ما عنده وأن عنده أصلح ممّا فعل بهم.
وأيضا فإن كانوا أرادوا بذلك أن اللّذة التي تعقب البلاء والتعب أشد سرورا وأبلغ ، لزمهم أن يبطلوا نعم الجنة جملة لأنه ليس نعيمها البتة مشوبا بألم ولا بتعب وكل ألم بعد العهد به فإنه ينسى كما قال القائل :
كأنّ الفتى لم يغز يوما إذا اكتسى |
|
ولم يفتقر يوما إذا ما تموّلا |
فلزم على هذا الأصل أن يجدّد الله عزوجل لأهل الجنة آلاما فيها ليتجدد لهم بذلك وجود اللذة وهذا خروج عن الإسلام ويلزمهم أيضا أن يدخل النبيين والصالحين النار ثم يخرجهم منها إلى الجنة فتضاعف لهم اللذة والسرور أضعافا بذلك.
ويقال أيضا كما نكون كالملائكة وحور العين ، فإن كانوا عالمين مقدار ما هم فيه من نعيم ولذّة فكنا نحن كذلك وإن كانوا غير عالمين بمقدار ما هم فيه من اللذة والنعيم فهلا أعطاهم هذه المصلحة ولأي شيء منعهم من الفضيلة التي أعطاها لنا وهم أهل طاعته التي لم تشب بمعصية ..؟
فإن قالوا : إن الملائكة وحور العين قد شاهدوا عذاب الكفار في النار فقام لهم مقام الترهيب.