قال أبو محمد : وهم يقولون إن الملائكة أفضل من الأنبياء عليهم جميعهم السلام وصدقوا في هذا ثم نقضوا هذا الأصل بأصلهم هذا السخيف من قولهم إن من دخل الجنة بعد التعريض للبلاء فهو أفضل من ابتداء النعمة والقرب فنحن على قولهم أفضل من الملائكة على جميعهم السلام.
وقد قالوا : إن الملائكة أفضل من الأنبياء فعلى هذا التقرير يجب أن نكون أفضل من الملائكة وأفضل من النبيين بدرجتين وهذا كفر مجرد وتناقض ظاهر.
وأما قولهم إننا لو خلقنا في الجنة لم يكن بد من التوعد والتحذير.
فإنا نقول لهم وبالله تعالى التوفيق : حتى لو كان ما يقولون لما منع من ذلك أن يخلقوا في الجنة ثم يطلعوا منها فيروا النار ويعاينوا وحشتها وهولها وفيحها ، ونفار النفوس عنها كالذي يعرض لنا عند الاطلاع على النيران العميقة المظلمة وإن كنا قط لم نقع فيها ولا شاهدنا من وقع فيها بل ذلك كان يكون أبلغ في التحذير من وصفها دون رؤية لكن كما فعل بالملائكة وحور العين وكون ذلك ادعى لهم إلى الشكر والحمد والاغتباط بمكانهم واجتناب ما نهوا عنه خوف مفارقة ما قد حصلوا عليه.
ثم نقول لهم أيضا : قولوا هذا فيهم بعد دخولهم الجنة : أمباح لهم الكفر والشتم والضرب فيما بينهم أم محظور عليهم؟ لزمهم بهذا التوعد والتحذير هنالك قلنا نكون لو اخترعنا فيها على الحال التي تكون فيها يوم القيامة ولا فرق وكان يكون أصلح لجميعنا بلا شك.
فإن قالوا : قد سبقت الطاعة في الدنيا.
قيل لهم : وكذلك كانت تسبق منهم في الجنة كالملائكة سواء بسواء. وهم لا يقولون إن المعاصي ، والتضارب ، والتلاطم ، والتراكض ، والتشاتم ، مباح لهم في الجنة ، ولا يقول هذا أحد ، فيحتاج إلى كسر هذا القول ، فإن لجئوا إلى قول أبي الهذيل : إن أهل الجنة مضطرّون لا مختارون ، قيل لهم : وكنا نكون فيها كذلك أيضا ، كما نكون يوم القيامة فيها ، فهذا كان أصلح للجميع بلا شك ، وهذا ما لا انفكاك لهم منه.
قال أبو محمد : وأما قولهم إن الله علم أن بعضهم يكفر ولا بد ، فيجب عليه الخروج من الجنة.
قلنا لهم : أيقدر الله على خلاف ما علم أم لا؟
فإن قالوا : نعم يقدر ولكن لا يفعل ، أقرّوا أنه فعله من ترك ابتدائنا في الجنة إمضاء لما سبق في علمه غير ما كان أصلح لنا بلا شك ، ورجعوا إلى الحق الذي هو