عزوجل وقد قال ـ تعالى ـ إنه خلق كل شيء وخلقنا وما نعمل ، وأنه لو شاء لهدى كل كافر ، وأنه غير ظالم ولا بخيل ولا ممسك ، فقلنا ما قال من كل ذلك ، ولم نقل ما لم يقل ، وقلنا ما قام به البرهان العقلي ، من أنه ـ تعالى ـ خالق كلّ موجود دونه ، وأنه تعالى قادر على كل ما يسأل عنه وأنه لا يوصف بشيء من صفات العباد ، لا ظلم ولا بخل ، ولا غير ذلك ، ولم نقل ما قد قام به البرهان العقلي على أنه باطل من أنه جسم ، أو أنه يقول غير الحق.
وقال بعض أصحاب الأصلح وهو ابن بدد الغزال تلميذ محمد بن شبيب (١) تلميذ النظام : بلى إن عند الله ألطافا لو أتى بها الكفار لآمنوا إيمانا يستحقون معه الثواب ، إلا أن الثواب الذي يستحقونه على ما فعل بهم أعظم وأجل ، فلهذا منعهم تلك الألطاف.
قال أبو محمد : وهذا تمويه ضعيف لأننا إنما سألناهم هل يقدر الله ـ تعالى ـ على ألطاف إذا أتى بها أهل الكفر آمنوا إيمانا يستحقون به مثل هذا الثواب الذي يؤتيهم على الإيمان اليوم أو أكثر من ذلك الثواب؟ فلا بد له من ترك قوله أو تعجيز ربه تعالى.
قال أبو محمد : ونسأل جميع أصحاب الأصلح ، فنقول لهم وبالله ـ تعالى ـ التوفيق : أخبرونا عن كل من شاهد براهين الأنبياء عليهمالسلام ممن لم يؤمن به ، وصحت عنده بنقل التواتر ، هل صحّ عندهم صحة لا مجال للشك فيها أنها شواهد موجبة صدق نبوتهم ، أو لم يصح ذلك عندهم إلا بغالب الظن ، وبصفة أنها مما يمكن أن يكون تخييلا أو سحرا أو نقلا مدخولا؟ ولا بد من أحد الوجهين.
فإن قالوا : بل صحّ ذلك عندهم صحة لا مجال للشك فيها ، وثبت ذلك في عقولهم بلا شك.
قلنا لهم : هذا هو الاضطرار نفسه الذي لا اضطرار في العالم غيره ، وهذه صفة كل من ثبت عنده شيء ثباتا متيقنا كمن يتيقن بالخبر الموجب للعلم ، موت فلان ،
__________________
(١) محمد بن شبيب البصري : من القائلين بالإرجاء في الإيمان ، وبالقدر على مذاهب القدرية المعتزلة. وزعم محمد بن شبيب أن الإيمان هو الإقرار بالله والمعرفة برسله وبجميع ما جاء من عند الله ـ تعالى ـ مما نصّ عليه المسلمون : من الصلاة والزكاة والصيام والحج وكل ما لم يختلفوا فيه ، وقال : إن الإيمان يتبعّض ويتفاضل الناس فيه والخصلة الواحدة من الإيمان قد تكون بعض الإيمان وتاركها يكفر بترك بعض الإيمان ولا يكون مؤمنا بإصابة كلّه. انظر الفرق بين الفرق (ص ١٥١ و ١٥٤).