فمن الباطل أن يتواطئوا كلهم في شرق الأرض وغربها على إعلان ما يعتقدون خلافه بلا سبب داع إلى ذلك.
وبرهان آخر : وهو أننا قد شاهدنا من النصارى واليهود طوائف لا يحصى عددهم أسلموا وحسن إسلامهم ، وكلهم أولهم عن آخرهم يخبر من استخبره متى بقوا أنهم في إسلامهم يعرفون أن الله تعالى حق ، وأن نبوة موسى وهارون حق ، كما كانوا يعرفون ذلك في أيام كفرهم ولا فرق.
ومن أنكر هذا فقد كابر عقله وحسّه ولحق بمن لا يستحق أن يكلّم.
وبرهان آخر : وهو أنهم لا يختلفون في أن نقل التواتر يوجب العلم الضروري فوجب من هذين الحكمين أن اليهود والنّصارى الذين نقل إليهم ما أتى به عليهالسلام من المعجزات نقل التواتر قد وقع لهم به العلم الضروري بصحة نبوته من أجلها وهذا لا محيد لهم عنه ـ وبالله تعالى التوفيق ـ.
وأما قولهم : إن شتم الله تعالى ليس كفرا وكذلك شتم رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فهو دعوى لأن الله تعالى قال : (يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ) [سورة التوبة : ٧٤].
فنص تعالى على أن من الكلام ما هو كفر.
وقال تعالى : (إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) [سورة النساء : ١٤٠].
فنصّ تعالى أن من الكلام في آيات الله تعالى ما هو كفر بعينه مسموع.
وقال تعالى : (قُلْ أَبِاللهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً) [سورة التوبة : ٦٥ ، ٦٦].
فنص تعالى على أن الاستهزاء بالله تعالى أو بآياته أو برسول من رسله كفر مخرج عن الإيمان ولم يقل تعالى في ذلك إني علمت أن في قلوبكم كفرا ، بل جعلهم كفارا بنفس الاستهزاء.
ومن ادّعى غير هذا فقد قول الله تعالى ما لم يقل وكذب على الله تعالى.
وقال عزوجل : (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ) [سورة التوبة : ٣٧].
قال أبو محمد : وبحكم اللغة التي نزل بها القرآن أن الزيادة في الشيء لا تكون البتة إلا منه لا من غيره.