فصح أن النسيء كفر وهو عمل من الأعمال وهو تحليل ما حرم الله تعالى.
فمن أحلّ ما حرّم الله تعالى وهو عالم بأن الله تعالى حرّمه فهو كافر بذلك الفعل نفسه.
وكل من حرّم ما أحل الله تعالى فقد أحل ما حرم الله عزوجل لأن الله تعالى حرّم على الناس أن يحرّموا ما أحل الله.
وأما خلال الإجماع فإن جميع أهل الإسلام لا يختلفون فيمن أعلن جحد الله تعالى أو جحد رسوله صلىاللهعليهوسلم فإنه محكوم له بحكم الكفر قطعا ، إما القتل ، وإما أخذ الجزية ، وسائر أحكام الكفر ؛ وما شك قط أحد في هل هم في باطن أمرهم مؤمنون أم لا؟ ولا فكّروا في هذا لا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولا أحد من أصحابه ولا أحد ممن بعدهم.
وأما قولهم : إن الكفار إذا كانوا مصدّقين بالله تعالى وبنبيه صلىاللهعليهوسلم بقلوبهم والتصديق في اللغة التي بها نزل القرآن هو الإيمان ففيهم بلا شك إيمان ، فالواجب أن يكونوا بإيمانهم ذلك مؤمنين ، أو أن يكون فيهم إيمان ليسوا بكونه فيهم مؤمنين ولا بدّ من أحد الأمرين.
قال أبو محمد : وهذا تمويه فاسد لأن التسمية كما قدمنا لله تعالى لا لأحد دونه وقد أوضحنا البراهين على أن الله تعالى نقل اسم الإيمان في الشريعة عن موضوعه في اللغة إلى معنى آخر وحرّم في الديانة إيقاع اسم الإيمان على التصديق المطلق ولو لا نقل الله تعالى للفظة الإيمان كما ذكرنا لوجب أن يسمى كل كافر على وجه الأرض مؤمنا ، وأن يخبر عنهم بأن فيهم إيمانا لأنهم مؤمنون ولا بدّ بأشياء كثيرة مما في العالم يصدقون بها. هذا لا ينكره ذو مسكة من عقل.
فلمّا صحّ إجماعنا وإجماعهم وإجماع كل من ينتمي إلى الإسلام على أنهم وإن صدقوا بأشياء كثيرة فإنه لا يحلّ لأحد أن يسميهم مؤمنين على الإطلاق ولا أن يقول إن لهم إيمانا مطلقا أصلا لم يجز لأحد أن يقول في الكافر المصدق بقلبه ولسانه بأن الله تعالى حقّ والمصدق بقلبه أن محمدا رسول الله أنه مؤمن ، ولا أن فيه إيمانا أصلا إلا حتى يأتي بما نقل الله تعالى إليه اسم الإيمان من التصديق بقلبه ولسانه وبأن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأن كل ما جاء به حق وأنه بريء من كل دين غير دينه ثم يتمادى بإقراره على ما لا يتم إيمان إلّا بالإقرار به حتى يموت لكنا نقول : إن في الكافر تصديقا بالله تعالى هو به مصدّق بالله تعالى وليس بذلك مؤمنا ولا فيه إيمان كما أمرنا الله تعالى لا كما أمر جهم والأشعري.