قال أبو محمد : فبطل هذا القول المتفق على تكفير قائله.
وقد نصّ على تكفيرهم أبو عبيد القاسم (١) في كتابه المعروف برسالة الإيمان وغيره ، ولنا كتاب كبير نقضنا فيه شبه أهل هذه المقالة الفاسدة كتبناه على رجل منهم يسمى عطاف بن دوناس ، من أهل قيروان إفريقية ـ وبالله تعالى التوفيق ـ.
قال أبو محمد : وأما من قال إن الإيمان إنما هو الإقرار باللسان فإنهم احتجوا بأن النبي صلىاللهعليهوسلم وجميع أصحابه رضي الله عنهم وكل من بعدهم قد صحّ إجماعهم على أن من أعلن بلسانه بشهادة الإسلام فإنه عندهم مسلم محكوم له بحكم الإسلام وبقول رسول الله صلىاللهعليهوسلم في السوداء : «أعتقها فإنها مؤمنة». (٢)
وبقوله صلىاللهعليهوسلم لعمه أبي طالب : «قل كلمة أحاجّ لك بها عند الله عزوجل». (٣)
قال أبو محمد : وكل هذا لا حجة لهم فيه.
__________________
(١) هو الإمام أبو عبيد القاسم بن سلّام بن عبد الله. كان أبوه سلّام مملوكا لرجل هروي. ولد أبو عبيد سنة ١٥٧ ه. وله من المصنفات : كتاب الأموال ، وكتاب الغريب ، وكتاب فضائل القرآن ، وكتاب الطهور ، وكتاب الناسخ والمنسوخ ، وكتاب المواعظ ، وكتاب الغريب المصنف في علم اللسان ، وغير ذلك. توفي أبو عبيد سنة ٢٢٤ ه بمكة. انظر ترجمته في طبقات ابن سعد (٧ / ٣٥٥) والتاريخ الكبير للبخاري (٧ / ١٧٢) والتاريخ الصغير (٢ / ٣٥٠) والمعارف لابن قتيبة (ص ٥٤٩) والجرح والتعديل (٧ / ١١١) وسير أعلام النبلاء (١٠ / ٤٩٠) وطبقات الزبيدي (ص ٢١٧ ، ٢٢١) والفهرست للنديم (ص ٧٨) ومراتب النحويين (ص ٩٣ ، ٩٤) ومعجم الأدباء (١٦ / ٢٥٤) وتهذيب الأسماء واللغات (٢ / ٢٥٧) ووفيات الأعيان (٤ / ٦٠) ودول الإسلام (١ / ١٣٦) وتذكرة الحفاظ (١ / ٤١٧) والنجوم الزاهرة (١ / ٢٤١) وغير ذلك كثير.
(٢) جزء من حديث طويل رواه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة (حديث ٣٣) وأبو داود في الصلاة باب ١٦٧ ، والإيمان باب ١٦. والنسائي في السهو باب ٢٠. والدارمي في النذور باب ١٠. ومالك في العتق (حديث ٨ و ٩) وأحمد في المسند (٢ / ٢٩١ ، ٣ / ٤٥٢ ، ٤ / ٢٢٢ ، ٣٨٨ ، ٣٨٩ ، ٥ / ٤٤٧ ، ٤٤٨ ، ٤٤٩).
(٣) جزء من حديث رواه البخاري في مناقب الأنصار باب ٤٠ (حديث ٣٨٨٤) عن ابن المسيب عن أبيه : أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلىاللهعليهوسلم وعنده أبو جهل ، فقال : «أي عمّ قل لا إله إلا الله كلمة أحاجّ لك بها عند الله» فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب ترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال آخر شيء كلمهم به : على ملة عبد المطلب. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لأستغفرنّ لك ما لم أنه عنه». فنزلت : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) ونزلت : (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ). ورواه أيضا في تفسير سورة ٩ باب ١٦ ، وسورة ٢٨ باب ١ ، وفي الأيمان باب ١٩. ورواه الإمام أحمد في المسند (٥ / ٤٣٣).