أما الإجماع المذكور فصحيح وإنما حكمنا لهم بحكم الإيمان في الظاهر ولم نقطع على أنه عند الله تعالى مؤمن ، وهكذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بما أرسلت به ، فإذا فعلوا ذلك عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله» (١).
وقال عليهالسلام : «من قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه» (٢). وأما قوله عليهالسلام في السوداء «إنها مؤمنة». (٣)
فظاهر الأمر كما قال عليهالسلام إذ قال له خالد بن الوليد : «ربّ مصلّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه» فقال عليهالسلام : «إنّي لم أبعث لأشقّ عن قلوب الناس».
وأما قوله لعمّه : «أحاجّ لك بها عند الله».
فنعم يحاجّ بها على ظاهر الأمر وحسابه على الله تعالى فبطل كل ما موهوا به.
ثم نبيّن بطلان قولهم إن شاء الله تعالى ، فنقول وبالله تعالى نتأيد : إنه يبين بطلان قول هؤلاء قول الله عزوجل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ) [سورة البقرة : ١٠٨].
__________________
(١) روي بأسانيد وطرق متعددة. فرواه البخاري في الإيمان باب ١٧ ، والاعتصام بالكتاب والسنة باب ٢٨. ومسلم في الإيمان (حديث ٣٤ ، ٣٥ ، ٣٦). والترمذي في الإيمان باب ٢١ وتفسير سورة ٨٨ والنسائي في الجهاد باب ١ ، والتحريم باب ١. وابن ماجة في الفتن باب ١. وأحمد في المسند (١ / ١١ ، ١٩ ، ٣٦ ، ٤٨ ، ٢ / ٣١٤ ، ٣٧٧ ، ٤٢٣ ، ٤٣٩ ، ٤٧٥ ، ٤٨٢ ، ٥٠٢ ، ٥٢٨ ، ٣ / ٢٩٥ ، ٣٠٠ ، ٣٣٢ ، ٣٩٤ ، ٥ / ٢٤٦).
(٢) رواه البخاري في العلم باب ٣٣ (حديث ٩٩) عن أبي هريرة أنه قال : قيل : يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت من حرصك على الحديث ؛ أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ، أو نفسه» ورواه أيضا برقم (٦٥٧٠). ورواه مسلم في الصلاة (حديث ١٢) عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر ، فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال : أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم قال : حيّ على الصلاة ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : حيّ على الفلاح ، قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : الله أكبر الله أكبر ، قال : الله أكبر الله أكبر ، ثم قال : لا إله إلا الله ، قال : لا إله إلا الله ؛ من قلبه ـ دخل الجنّة».
(٣) تقدم تخريجه في الحاشية (٢) من الصفحة السابقة.