وقوله عزوجل : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) [سورة المائدة : ٤١].
وقوله : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [سورة الحجرات : ١٤].
وقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) [سورة الأنفال : ٢ ـ ٤].
قال أبو محمد : فإن قالوا إنما هذه الآية بمعنى أن هذه الأفعال تدل على أن في القلب إيمانا.
قلنا لهم : لو كان ما قلتم لوجب ولا بد أن يكون ترك من ترك شيئا من هذه الأفعال دليلا على أنه ليس في قلبه إيمان وأنتم لا تقولون هذا أصلا مع أن هذا صرف للآية عن وجهها وهذا لا يجوز إلا ببرهان. وقولهم هذا دعوى بلا برهان.
وقال تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) [سورة الحجرات : ١٥].
وقال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا) [سورة الأنفال : ٧٢].
فأثبت عزوجل لهم الإيمان الذي هو التصديق ثم أسقط عنا ولايتهم إذا لم يهاجروا فأبطل بذلك إيمانهم المطلق ، ثم قال تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا) [سورة الأنفال : ٧٤].
فصح يقينا أن هذه الأعمال إيمان حق وعدمها ليس إيمانا وهذا غاية البيان وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) [سورة المنافقون : ١].
فنصّ عزوجل في هذه الآية على أنّ من آمن بلسانه ولم يعتقد الإيمان بقلبه فإنه كافر.
ثم أخبرنا تعالى المؤمنون من هم؟ وأنهم الذين آمنوا وأيقنوا بألسنتهم وقلوبهم معا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم.