وأخبر تعالى أن هؤلاء هم الصّادقون.
قال أبو حمد : ويلزمهم أن المنافقين مؤمنين لإقرارهم بالإيمان بألسنتهم وهذا قول مخرج عن الإسلام وقد قال تعالى : (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) [سورة النساء : ١٤٠].
وقال تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ) [سورة المنافقون : ١ ـ ٣].
فقطع الله تعالى عليهم بالكفر كما ترى لأنهم أبطنوا الكفر.
قال أبو محمد : وبرهان آخر وهو أن الإقرار باللسان دون عقد القلب لا حكم له عند الله عزوجل لأن أحدنا يلفظ بالكفر حاكيا وقارئا له في القرآن فلا يكون بذلك كافرا حتّى يقرّ أنه عقده.
قال أبو محمد : فإن احتج بهذا أهل المقالة الأولى وقالوا هذا يشهد بأن الإعلان بالكفر ليس كفرا.
قلنا له وبالله تعالى التوفيق : قد قلنا إنّ التسمية ليست لنا وإنما هي لله تعالى فلما أمرنا تعالى بتلاوة القرآن وقد حكى لنا فيه قول أهل الكفر وأخبرنا تعالى أنه لا يرضى لعباده الكفر خرج القارئ للقرآن بذلك عن الكفر إلى رضى الله عزوجل.
والإيمان بحكايته ما نصّ الله تعالى بأداء الشهادة بالحق فقال تعالى : (إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [سورة الزخرف : ٨٦].
خرج الشاهد المخبر عن الكافر بكفره عن أن يكون بذلك كافرا إلى رضى الله عزوجل والإيمان ولما قال تعالى : (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) [سورة النحل : ١٠٦].
خرج من ثبت إكراهه عن أن يكون بإظهار الكفر كافرا إلى رخصة الله تعالى والثبات على الإيمان وبقي من أظهر الكفر لا قارئا ولا شاهدا ولا حاكيا ولا مكرها على وجوب الكفر له بإجماع الأمة على الحكم له بحكم الكفر وبحكم رسول الله صلىاللهعليهوسلم بذلك ، وبنص القرآن على من قال كلمة الكفر أنه كافر وليس قول الله عزوجل : (وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً) على ما ظنوه من اعتقاد الكفر فقط ، بل كلّ من نطق بالكلام الذي يحكم لقائله عند أهل الإسلام بحكم الكفر لا قارئا ولا شاهدا