فإن قال قائل من أهل الطائفة الثالثة : أليس جحد الله تعالى بالقلب وباللسان هو الكفر كله؟ فكذلك يجب أن يكون الإقرار بالله تعالى باللسان والقلب هو الإيمان كله.
قلنا وبالله تعالى نتأيد : ليس شيء مما قلتم بل الجحد لشيء مما صحّ البرهان أنه لا إيمان إلا بتصديقه كفر والنطق بشيء من كل ما قام البرهان أن النطق به كفر كفر ، والعمل بشيء مما قام البرهان بأنه كفر كفر ، فالكفر يزيد وكلما زاد فيه فهو كفر ، والكفر ينقص وكله مع ذلك ما بقي منه وما نقص فكله كفر ، وبعض الكفر أعظم وأشد وأشنع من بعض ، وكله كفر.
وقد أخبر الله تعالى عن بعض الكفر أنه (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا) [سورة مريم : ٩٠] وقال عزوجل : (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [سورة النمل : ٩٠]. ثم قال : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [سورة النساء : ١٤٥].
وقال تعالى : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [سورة غافر : ٤٦].
فأخبر تعالى أن قوما يضاعف لهم العذاب فإذ كل هذا قول الله عزوجل وقوله الحق فالجزاء على قدر الكفر بالنّص وبعض الجزاء أشدّ من بعض بالنصوص ضرورة.
والإيمان أيضا يتفاضل بنصوص صحاح وردت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم والجزاء عليه في الجنة يتفاضل بلا خلاف.
فإن قال [قائل] (١) من الطبقتين الأوليين : أليس من قولكم من عرف الله عزوجل والنبي صلىاللهعليهوسلم وأقرّ بهما بقلبه فقط إلا أنه منكر بلسانه لكل ذلك أو لبعضه فإنه كافر؟
وكذلك من قولكم أن من أقر بالله عزوجل وبرسوله صلىاللهعليهوسلم بلسانه فقط إلا أنه منكر بقلبه لكل ذلك أو لبعضه فإنه كافر؟
قال أبو محمد : فجوابنا نعم هكذا نقول.
قالوا : فقد وجب من قولكم إذا كان بما ذكرنا كافرا أن يكون فعله ذلك كفرا ولا بدّ إذ لا يكون كافرا إلا بكفره فيجب على قولكم أن الإقرار بالله تعالى وبرسوله صلىاللهعليهوسلم بالقلب كفر ولا بدّ ويكون الإقرار بالله تعالى أيضا وبرسوله صلىاللهعليهوسلم باللسان أيضا كفر ولا بدّ.
__________________
(١) ما بين حاصرتين ساقط من المطبوع. وهي زيادة لا يستقيم السياق إلا بها.